مما وراء الحج
قال جل اسمه : ( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ) .
وورد في مستدرك الوسائل ج10 ص172 عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : ( إذا أردت الحج فجرد قلبك لله تعالى من كل شاغل وحجاب ، وفوض أمورك إلى خالقها ، وتوكل عليه في جميع حركاتك وسكناتك ، وسلم لقضائه وحكمه وقدره .. ) . وقريب منه في البحار ج96 ص124 .
شاءت إرادة الباري جل وعلا أن يكون له في كل واقعة حكم ، ونحن بمستوانا – كعبيد – يُراد منا التعبد بهذه الأحكام الشرعية بغض النظر عن أي متعلق آخر ، وأعني بذلك : أننا لو أعملنا العقل والفكر لمعرفة ما وراء الحكم الشرعي من علل وفلسفة بمعزل عن الإلتفات لمنبع صدور الحكم ، فسوف يكون ذلك أول منحدر عن الطريق القويم .
وهذا الأمر – فيما يبدو – أنه جار في مجمل الأحكام الشرعية ، ولكنني أظن – والله والعالم – يتجلى ذلك في مناسك وأعمال الحج أكثر من غيرها من الأحكام .
حيث أن أعمال الحج من طواف وسعي وتقصير ووقوف ورمي وذبح وغيرها .. تعجز عقولنا القاصرة – بمنأى عن النص – عن إدراك ما وراء هذه الأعمال من مقاصد وعلل وفلسفة .
وقد وردت روايات تبين ثمار الحج بالنسبة للحاج كزيادة الرزق والصحة وغيرهما من الأمور وهي كثيرة جداً ، ولكن نذكر هنا ثلاثة أمور فقط في هذه العجالة لعلها _ أكرر ( لعلها )- تكون من أهم ما وراء الحج من أعمال ومناسك :
أولاً : التســليم :
إن النظر بعمق في مجمل أعمال الحج من طواف وسعي ووقوف ورمي وحلق وغيرها ... فإنه أقصى ما يمكن لنا – كعبيد – أن نقول : أننا مطيعين مسلمين لأمر الله جل قدسه وأمر رسوله ( ص ) وأهل البيت ( ع ) ، من باب ( وسلموا تسليما ) فهم أمرونا بذلك ونحن لأمرهم مسلمون مطيعون ( إني سلم لمن سالمكم ) والرواية المتقدمة عن الإمام الصادق ( ع ) فيها – والله العالم – إشارة إلى ذلك ( .. وسلم لقضائه وحكمه وقدره .. ) .
وحقيقة فإن الحج يخلق في الحاج هذه الحيثية وهي منتهى الطلب والغاية ، بل أن الحاج يشعر باللذة وهو ينتقل من منسك إلى منسك وما ذلك إلا امتثالا لأمر المولى جـل وعلا وأمر رسولـه ( ص ) وأهل البيت ( ع ) ففي الدعاء ( .. اللهم ولا تحرمني لذيذ مناجاتك .. ) .
ثانياً : الإخـلاص :
إن الحاج إذا قدم إلى الحج تاركاً وراءه أهله وبيته وأمواله ومصالحه متحملاً أعباء السفر من مال وجهد متنقلاً من منسك لآخر ، فإن إلتفاتة منه ولو للحظات سائلاً نفسه ما الذي دعاه لذلك ؟ أليس حبه لله جل وعلا ، فالإمام الصادق ( ع ) يقول : ( .. فجرد قلبك لله .. وفوض أمورك إلى خالقها وتوكل عليه .. وسلم لقضائه وحكمه وقدره .. ) فكل ذلك : لله .. لله .. لله .
فكل منسك وكل عمل وكل حركة وكل سكنة ينبغي أن نرى الله قبلها وبعدها وفيها ، فإن الحج كله لله في الله بالله .
ثالثاً : النشــاط :
عند التأمل في الحج وأعماله ومناسكه كشريعة من شرائع الله سبحانه وتعالى ، وقد عرفوه – الحج – بأنه : قصد بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة لأداء أعمال مخصوصة في أوقات مخصوصة في أماكن مخصوصة .
إن الحاج يرى نفسه – في الحج – نشيطاً في أداء الواجب فإنه ما إن ينتهي من منسك حتى يبدأ بآخر .. أي عمل ثم عمل ثم عمل .. وهكذا يكون قليل نومه ، قليل أكله ، كثير عمـله ونشاطـه .
وربما يكون هذا درسا لنا في جميع أعمالنا ، وليس الحج فقط ، فينبغي لنا أن نكون نشطين في أعمالنا فإنه قيل ( العمل تلو العمل دليل على قبول العمل ) وفي الرواية ( ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم ) فإن هذه الأمور في الجملة دافع ومحفـز على النشاط والعمل في سبيل الله سبحانه .
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين