من يفك هذا العمل؟!

أ . بدر الشبيب *


يقول الخبر:

تمكن المدعو (ع م د ) القادم لطرطوس من حماه من استقطاب عشرات الشباب حوله خلال فترة قصيرة جدا من خلال الترويج له ولأفعاله الغير عادية في شتى الأمور حتى امتلك عقول الكثيرين من مختلف الشرائح والأطياف, وبدأ البعض منهم يروج أنه قادر على أمور خارقة ويجلب الحظ والتوفيق ويعلم أسرار الكون وأنه مرسل لفتره قصيرة وروحه تغادره يوميا وتعود لتخبره بأمور لايدركها سواه (على حد تعبيره) حتى استحوذ على تفكيرهم ومن هنا بدأ قصته مع العديد منهم .

طلب المنزل فتم شراء منزل له في ضاحية الشيخ سعد بطرطوس وكذلك سيارة وخليوي واستأجر سيارات فارهة له, أحد الشباب قدم مذكرة لنا توضح كيف استقرض الجميع من المصارف لتأمين المال له ليعيش حياة الأمراء وهم من الكادحين وبعضهم باع المنزل والمحل وساهم في تأمين مايلزم.

مصدر الخبر: موقع أخبار سورية

  • كيف يحدث كل هذا؟!

ينفق العرب بحسب إحدى الدراسات أكثر من 9 مليارات دولار سنويا على المشعوذين، وهناك حوالي نصف مليون دجال يمارسون أنشطتهم في الدول العربية؛ في المغرب نحو 16 ألف قارئة كف وفنجان.

ولأننا في عصر التكنولوجيا الرقمية والفضائيات فقد أصبح لهؤلاء الدجالين والمشعوذين مواقع على الإنترنت وفضائيات تدعي كشف الحقيقة ومعالجة كافة الأمراض النفسية والعضوية.

وإذا كنت في أحد المجالس أو الديوانيات وأردت أن تفتح بابا لا يمكن سده فالأمر في غاية البساطة؛ ما عليك إلا إشعال الحديث بسؤال أو حكاية أو أي شيء يمت للسحر والجن والشعوذة بصلة، بعدها ستتحرك الخلايا النائمة للقصص والحكايات المفزعة، ويغطي سماءك دخان كثيف ينذر بعواصف رعدية تنزل منها كتائب الرعب والخوف والوهم. ستحتار: هل تصدق كل هذه الحكايات؟ وكيف لا تصدقها ورواتها ثقات عندك، وبعضهم يحمل درجة علمية مرموقة، وبعضهم يشار إليه بالمثقف، وبعضهم متخرج من جامعات غربية، وبعضهم، وبعضهم...؟!

امرأة يتأخر قطار زواجها، طالب يفشل في دراسته ، آخر يفشل في الحصول على مقعد في الجامعة أو بعثة، علاقة زوجية يعتريها فتور، زوجان تأخر عنهما الإنجاب، خطوبة لا يحصل فيها انسجام، زوج ساءت تصرفاته مع زوجته أو عياله بشكل مفاجئ، تجارة تمر بحالة كساد، خلاف بين أفراد العائلة، شخص يصاب بحالة اكتئاب، آخر لا يحصل على وظيفة أو ترقية، مريض بأحد الأمراض المستعصية،... هذه نماذج لحالات كثيرة يصعب حصرها يلجأ أصحابها في كثير من الأحيان إلى أيسر تفسير باعتبارها ناشئة من عمل ما، وأن عليهم أن يلجؤوا إلى خبير من خبراء شفط الأموال لفك العمل وتغيير الحال إلى أسوأ حال.

الحكايات كثيرة، ويستطيع هذا الجني الجديد المسمى ( غوغل ) أن يزودك بالكثير منها بمجرد أن تكتب إحدى المفردات المسكونة مثل ( جن، شعوذة، دجل، سحر) ومشتقاتها.

  والسؤال: لماذا ينجح الدجالون؟ لماذا تصطف الطوابير على أبواب بيوتهم، ويزداد الإقبال على قنواتهم الفضائية ومواقعهم الإلكترونية؟! لماذا تصبح كتب الأبراج والحظ الأكثر مبيعا في منطقتنا العربية؟!

  • سأورد هنا بعض الأسباب تاركا للقارئ المجال لإضافة ما يراه من أسباب أخرى:

1- نقص الوعي بالسنن والقوانين الإلهية المودعة في هذا الكون؛ والتي من ضمنها أن سعي الإنسان هو الذي يحدد مستقبله ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) سورة النجم، وأن التغيير للأحسن أو الأسوأ يبدأ من النفس ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) سورة الأنفال، ومنها ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ (11) سورة الرعد، وأن سعادة الإنسان بيده لا بيد غيره ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ (13) سورة الإسراء.

قد يدرك الإنسان هذه القوانين ولكن سيظل وعيه ناقصا ما لم يقم بالعمل في الواقع الخارجي وفق مقتضياتها.

2- ضعف الوعي الاجتماعي بالصحة النفسية والعلاج النفسي؛ فعندما نشتكي من مرض عضوي نسارع للذهاب إلى الطبيب المختص؛ أما إذا أصبنا أو أصيب أحد ممن حولنا بمرض نفسي فإننا لا نذهب للعيادة النفسية حتى لا يقال عنا مجانين. ربما ساهمت بعض المسلسلات والأفلام في رسم صورة قاتمة وكئيبة للمريض النفسي وللطبيب المعالج أيضا مما رسخ الصورة الذهنية المشوهة عن الطب النفسي.

3- الرغبة في الهروب من المشاكل وإلقاء التبعات على الخارج: من الصعب مواجهة الحقائق واتهام الذات والاعتراف بالتقصير؛ فهذا أمر يحتاج إلى شجاعة موقفية لا تتأتى لكل أحد؛ ومن هنا يلجأ كثير من الناس إلى إلقاء مسؤولية فشلهم أو معاناتهم على الآخر سواء كان سحرا أو جنيا أو عملا أو غير ذلك.

4- البحث عن الحلول السريعة والنجاحات الوهمية: فقد يخبرك أحدهم أنه يستطيع مضاعفة ثروتك خلال فترة وجيزة، أو تيسير أمورك الحياتية بحيث لا يقف أمامك عائق، أو جعل الزوج أو الزوجة خاتما بيد الآخر، وما أشبه ذلك من الأوهام التي لم تتأثر سوقها بما حدث في العالم من أزمة مالية خانقة، ويبدو أن بوش الابن لم ينتبه لهذه السوق وإلا لجعلها كاسدة كغيرها، أو لعله أحد باعتها، وهذا هو الأقرب.

5- حالة المعاناة الشديدة المستمرة دون سبب ظاهري أو حل:

 تقول إحدى الفتيات:" النحس الذي يلازمني كلما فكر رجل في طرق باب بيتنا حتى صار زواجي من قبيل المستحيلات، دفعني للاقتناع بأن هناك شيئاً ما خفي معمول لي كي لا أنعم بفرحة الزواج. وبالفعل ذلك ما قاله لي العراف الذي أمدني ببعض الوصفات لكي أضعها تحت وسادتي كل ليلة، وما زلت أنتظر"...

هذا الكلام ينطبق حتى على حالات الأمراض المستعصية حيث يبدأ الإنسان بسبب استنفاد الوسائل الطبيعية المعروفة إلى وسائل أخرى ربما توفر له العلاج الشافي؛ وهنا يأتي دور الدجالين والمشعوذين لاستغلال تلك المواقف بأبشع الصور.

6- زيادة القلق على المستقبل نتيجة الأوضاع السلبية الراهنة مما يدفع الكثيرين إلى البحث عن أمور غيبية تكشف لهم – كما يعتقدون – شيئا من الحجب ليتعرفوا على نوع الجنين الذي ستلده لهم الأيام والليالي الحبلى.

7- المعتقدات الاجتماعية المتوارثة التي تركز على القوى الخارقة التي يتمتع بها هؤلاء المشعوذون وأن بيدهم الحلول لكل المشاكل.

هذه بالتأكيد بعض الأسباب، وأطلب من القارئ الكريم أن يفك عمل مقالي الذي تم ربطه عند السبب السابع.

 

أديب وكاتب وباحث في علوم اهل البيت عليهم السلام