رحيل رمز الحركة العلمية في القطيف
عرفت العلامة الشيخ علي المرهون رحمه الله منذ كنت صغيرا حيث شاهدته أول مرة عام 1380هـ وهو يتردد على منزلنا بالعوامية لزيارة جدي علي بن عبد الرحيم الفرج، كانت تربطه بعائلتنا علاقة حميمة شعارها المحبة والاحترام المتبادل وكان جدي رحمه يكن له كل تقدير واحترام ويراه مثلا يحتذى به في التواضع والإيمان وهو فعلا يحمل كل هذه الصفات الحميدة الذي يجسدها فكره وعمله الذوؤب وكان رجلا تغشى محياها الابتسامة و تظهر البشاشة واضحة على تقاسيم وجه هذا الشيخ المسوح.
وبعد رحيل جدي من هذه الدنيا واصل هذا الشيخ الجليل علاقاته مع والدي فأخذ يتردد عليه أثناء مرضه حتى أنتقل إلى رحمة الله، ويعد الشيخ المرهون قمة في التواضع والأخلاق العالية ومن الرجال القلائل الذين عرفتهم في حياتي زهدا وعملا وتواصلا مع الآخرين ولم يقعد عن هذا العمل سوى مرضه وقد أجاد الأخ عبد الإله التاروتي عندما ألف كتابا عن هذا الرجل الفذ بعنوان ( الشيخ علي المرهون رواية مجتمع وتجربة حياة) الصادر سنة 1329هـ سبر فيه أغوار هذه الشخصية المتميزة علميا وأديبا.
ويعد الشيخ من الرعيل الأول الذين أسهموا في إثراء الحركة العلمية والأدبية في منطقة القطيف رغم الظروف القاسية التي مر بها والصعاب التي واجهها، وهو صاحب الكتب الشهيرة ( لقمان الحكيم، قصص القرآن،أعمال الحرمين " ديوان المرهونيات" ومغني القرآن والروضة العلمية وغيرهم) وورد أسمه في الكثير من المعاجم والكتب الداخلية والخارجية باعتباره عالما معروفا له وزنه على الساحة الشيعية، بالإضافة إلى انه شاعرا وأديبا ومؤلفا، درس العلامة المرهون على أيدي علماء بلاده أولا ثم سافر إلى النجف وهناك أكمل جزء من تحصيله العلمي ثم عادإلى بلاده يواصل مشواره التوجيهي والإرشادي في توعية المجتمع وتثقيفه.
وهو أول من جمع تراث القطيف الأدبي (ألولائي) في أهل البيت في كتابه المعروف شعراء القطيف الصادر في النجف في الثمانينات الهجرية من القرن المنصرم وجمع فيه درر القصيد لشعراء القطيف التي قيلت في أهل البيت خلال تلك الفترة والفترة السابقة وعد بعدها مرجعا مهما للدراسات الأدبية لجميع الدارسين والباحثين الذين وقفوا على الشعر القطيفي فتعرض له الدكتور عبد الله الحامد في رسالته الماجستير التي قدمها لجامعة محمد بن سعود بالرياض وعده مرجعا رئسيا من مراجعه المهمة في ذلك البحث ورأى في الشعر القطيفي الذي قدمه ذلك الكتاب مصدرا ثريا وتفوقا لغويا وصدقا عاطفيا يقف أمامه شعر شبه الجزيرة العربية المعاصر له في المناطق الأحرى باهتا وقد كان للشيخ المرحوم علي المرهون قصب السبق في إظهار ذلك الشعر من بطون الكتب المتناثرة هنا وهناك وتقديمه وتنسيقه وتقديمه في كتاب بقى وسيبقى شاهدا على كنز من درر الكلام جمعه ونسقه إنسان مشهود له بالكفاءة والصدق ناهيك عن مؤلفاته السابقة الذكر وهي تتمتع أيضا بعمق ديني وجهد متميز ترمي إلى إيصال المعلومة بسهل ويسر لمتلقيها تدل على فهم وقدرة مؤلفها على مخاطبة الجمهور باللغة لتي يفهما ذلك الجمهور بعيدا عن التعقيد والغموض، وليس هذا التشييع المهيب الذي شاهدته هذا اليوم الخميس الموافق 28/1/ 1431هـ واشتركت فيه جميع شرائح المجتمع القطيفي وغيره إلا شاهدا على ما يتمتع به هذا الشيخ الجليل من مكانة سامقة في نفوس أبناء هذا المجتمع الذي أفني عمره في خدمته إماما للجماعة والعلم والعمل الصادق والمساهمة في حل العديد من المشاكل الاجتماعية وبرحيله تنطوي صفحة من صفحات أبناء القطيف العاملين في خدمة الدين والوطن.
رحم الله الشيخ العصامي العلامة علي بن الشيخ منصور المرهون رحمة الأبرار وأسكنه الفسيح من جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون ونسال الله أن يعوضنا الخلف الصالح والله الموفق.