كيف نالوا حقوقهم؟
السود في أمريكا لا يشكلون أكثر من 13% من السكان؛ فكيف انتقلوا من حالة العبودية والتمييز العنصري المقيت إلى تسنم أحدهم ( باراك أوباما ) أعلى منصب في الولايات المتحدة؟!
المسألة لم تكن ضربة حظ أو صحوة ضمير مفاجئة، بل هي تتويج لتاريخ طويل حافل بالكثير من الجهود المتواصلة المثابرة والتضحيات المتتالية المتراكمة، حيث لم يحدث ما حدث إلا بعد كفاح مرير ضد الرق والتمييز دام أكثر من قرن.
وهذه الحقيقة وغيرها ينبغي أن تكون حاضرة في ذاكرة كل من يريد أن يتصدى للمطالبة بالحقوق ولمناهضة التمييز بكافة أشكاله، ومن تلك الحقائق:
- تقوية الروابط الداخلية بين السود أنفسهم من خلال بناء المؤسسات الدينية والأهلية الخاصة بهم، كالكنيسة السوداء التي شكلت ملجأ للعزاء ومصدرا للأمل للأرقاء، وخرًجت الكثير من الطاقات التي كان لها دور ريادي في تغيير الأوضاع نحو الأفضل؛ يضاف إلى ذلك تمتين الروابط العائلية بين السود، وكما يقول شوقي ( إن المصائب يجمعن المصابينا ).
- المساهمة الفعالة والمتنوعة والاستعداد للتضحية من قبل النخبة الاجتماعية السوداء، كل في مجاله، فريدريك دوغلاس أحد الأرقاء الفارين والصحافي والناشر،كان يناشد ضمير الأمريكيين بقلمه ولسانه وتأسيسه لجمعية مناهضة العبودية؛ جون براون بنفسه حيث شنق وكان يقول: "إذا كان لا بد لي من أن أفقد حياتي لتعزيز أهداف العدالة، وأن أمزج دمي مع دم أولادي، ومع دم الملايين في بلاد الأرقاء هذه الذين تهمل حقوقهم... فإني أقول فليتم ذلك وينقضي الأمر" ؛ بوكر تي واشنطن الذي ركز على تطوير المهارات العملية والاستقلال الاقتصادي للسود؛ المؤرخ وعالم الاجتماع دبليو إي بي ديبوا الذي كان يؤمن بأن علم الاجتماع قد يوفر المفتاح اللازم لتحسين العلاقات بين الأعراق، والذي أسس مع عدد من المفكرين السود حركة نياغرا كمنظمة للحقوق المدنية؛ المحاميان تشارلز هاملتون هيوستون وثورغود مارشال اللذان كان لهما الدور الكبير في القضاء على قوانين الفصل العنصري التي عرفت باسم قوانين جيم كرو، وقاما بالترافع أمام القضاء في العديد من قضايا التمييز العنصري؛ رالف جونسون بانش العالم والدبلوماسي الذي أثبت بكفاءته أن الرجل الأسود لا يقل بل قد يتفوق على الرجل الأبيض؛ الرياضي جاكي روبنسون لاعب البيسبول الذي لفت أنظار الجميع بإنجازاته في الملاعب؛ مالكوم إكس الذي ألهب المشاعر بخطاباته الحماسية، مارتن لوثر كينغ بقيادته لحركة الحقوق المدنية السلمية وخطاباته الشهيرة.
- اعتماد أسلوب اللاعنف والاحتجاج السلمي لإنهاء التمييز، هكذا كان الطابع العام، وقد حصلت انحرافات عن هذا الأسلوب بين حين وآخر، وهذا أمر طبيعي إذ لا يمكن ضبط كل شيء.
- انطلاق الخطاب السياسي من مبادئ لا يمكن الاختلاف حولها، كالحقوق الطبيعية للبشر وأنهم ولدوا متساوين، وأن الله وهبهم حقوقا لا يمكن التصرف بها، وأن من بينها الحياة والحرية والسعي نحو تحقيق السعادة، وهذه جميعها واردة في إعلان الاستقلال الأمريكي.
- مخاطبة مشاعر الأمريكيين وإبراز التناقض القائم بين المبادئ التي ينص عليها دستورهم ويدعو إليها وبين ممارساتهم في الواقع الخارجي.
- مناصرة العديد من الليبراليين البيض للسود في قضيتهم انسجاما مع مبادئ الليبرالية، وكان لهذه المناصرة أثر كبير.
- وجود قيادات واعية ذات نظرة استشرافية كالرئيس الأمريكي الأسبق ابراهام لنكولن الذي أعلن تحرير الأرقاء عام 1863م.
- المطالبات الجماعية المستمرة والعمل المنظم الذي يحافظ على تواصل للمسيرة.
- العمق الشعبي الذي كان له تأثير حاسم في تسريع قطف الثمار وتحصيل الحقوق؛ وأبرز مثال على ذلك الخياطة روزا باركس التي أصبحت رمزا تاريخيا للسود، بعد أن اعتقلت في العام 1955 م بسبب رفضها التخلي عن مقعدها في حافلة المدينة لرجل أبيض، وهو ما أدى إلى حملة ضخمة لمقاطعة نظام الحافلات العنصري في مونتغمري بألاباما.
- تراكم الجهود حيث تحقق النجاح في إلغاء الفصل العنصري في التعليم أولا، ثم في الحافلات ثم في المطاعم، وهكذا يبني كل نجاح على ما سبقه من نجاحات.
هذه بعض الحقائق الهامة والدروس من تجربة حركة الحقوق المدنية كثيرة، والمهم هو الاستفادة من تلك الدروس.