الإمام القائد .. وتعرية النظام الفاسد

علي آل غراش *


تتجلى قدرة وعقلية القائد العظيم في الظروف الصعبة، ومن الزعماء والقادة الإصلاحيين الذين هم امتداد لمنهج الأنبياء والمرسلين بالتعامل مع الواقع بحكمة بالغة في مقاومة الظالمين والمعتدين، ودعم الإصلاح والحرية، هو الإمام الحسن بن علي ابن أبي طالب ، السبط الأكبر وحفيد الرسول الأعظم محمد ، الذي تصدى للإمامة وقيادة الأمة في أوضاع خطيرة جدا؛ قلاقل واضطرابات، وفتن صاخبة، وحروب طاحنة، وترهيب وانقلاب على السلطة الشرعية من قبل نظام يرفع قميص الخليفة عثمان للثأر، ويرتدي قناعا ليخفي حقيقته، نظام ليس لديه مانع باستخدام أي أسلوب لتحقيق أهدافه فالغاية لديه تبرر الوسيلة. وهذا النظام بحاجة إلى تعرية وكشف زيفه أمام الشارع غير الواعي.

  • لا رأي لمن لا يطاع

لقد استطاع النظام الأموي أن يخدع الكثير من الناس، ويبث سمومه وينشر الخيانة في معسكر الإمام الحسن، مستغلا حالة الملل لدى الجنود من الجهاد والحروب الطويلة، وضعف الوازع الديني والوعي الحركي، وعدم الوعي بأهداف ومكانة وعظمة القائد الإمام الحسن الذي يمثل الحكومة الشرعية لإمارة حكومة الإمام علي، والامتداد الرسالي لرسالة جده الرسول الأكرم محمد ، وعدم احترام وطاعة القيادة ممن يدعون الولاء بالكلام لها فيما تسيطر عليهم حب المصالح والأهواء والتقلبات، كما وصفهم أمير المؤمنين الإمام علي : «حتى أصبحتم غرضاً تُرمون ولا ترمون، ويُغار عليكم ولا تغيرون، ويعصى الله فيكم وترضون، إن قلت لكم اغزوهم في الشتاء، قلتم: هذا أوان قرّ وصرّ، وإن قلت لكم اغزوهم في الصيف، قلتم: هذه حمّارة القيظ، أَنظرنا ينصرم الحرّ عنا، فإذا كنتم من الحرّ والبرد تفروّن، فأنتم والله من السيف أفرّ ؛ يا أشباه الرجال ولا رجال، ويا طغام الأحلام ويا عقول ربّات الحجال، والله لقد أفسدتم عليّ رأيي بالعصيان، ولقد ملأتم جوفي غيظاً حتى قالت قريش: ابن أبي طالب، رجل شجاع ولكن لا رأي له في الحرب لله درّهم، ومن ذا يكون أعلم بها مني، أو أشد لها مراساً، فوالله لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، ولقد نيفّت اليوم على الستين. ولكن لا رأي لمن لا يطاع، لا رأي لمن لا يطاع، لا رأي لمن لا يطاع»، بالإضافة إلى انتشار الإرهابيين من الخوارج الذين قاموا باغتيال الإمام علي والذين هم على أتم الاستعداد للقيام بالمزيد من الإعمال الإرهابية، ولأسباب أخرى يراها القائد الإمام الحسن عليه السلام وأهمها «لا رأي لمن لا يطاع«.

  • الاتفاق وتعرية النظام الفاسد

وبسبب ذلك رأى الإمام أن المرحلة بحاجة إلى بناء وتهيئة وصناعة جيل واع رسالي، يؤمن بالرسالة وبالولاء للقائد الإمام، جيل قادر على تحمل المسؤولية والتضحية والقيام بثورة إصلاحية ضد النظام الفاسد، وهذا الأمر بحاجة إلى بناء وتهيئة الظروف ومنها رفع الظلم والعقوبات والترهيب عن الناس وبالخصوص لمحبي وأتباع الإمام علي، ولتحقيق ذلك يتطلب أولا وبشكل استراتيجي تعرية النظام الأموي وإسقاط القناع الذي يرتديه، وكشفه أمام عامة الناس ومنهم المخدوعون بشعاراته الدينية على حقيقته ومنها عدم الوفاء بالعهود والعقود والمواثيق، لذلك وافق الإمام الحسن على اتفاقية صلح وهدنة مع معاوية لهدف معين هو فضح وتعرية النظام الأموي أمام الشارع المخدوع بالدعاية الأموية، ولمدة محددة بوقت زمني بأن يكون الحكم من بعد معاوية للحسن ثم الحسين عليهما السلام؛ واهم بنوده: أن يعمل بكتاب الله وبسنة رسوله . أن يكون الأمر للحسن من بعده، فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين، وليس لمعاوية أن يعهد إلى أحد، (أي عودة الحكم بعد وفاة معاوية إلى البيت المحمدي العلوي عبر الحسن أو أخيه الحسين في حالة وفاته، (وفي ذلك ضربة استباقية لفكرة توريث الحكم وتأسيس حكم دولة بني أمية). أن يترك سب أمير المؤمنين والقنوت عليه بالصلاة، وان لا يذكر علياً إلا بخير (وفي ذلك محاولة لتغيير نظرة الشارع الأموي حول شخصية الإمام علي)، ان الناس آمنون حيث كانوا من ارض الله،... وان لا ينال أحدا من شيعة علي بمكروه، وان أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، وان لا يتعقب عليهم شيئاً ولا يتعرض لأحد منهم بسوء، ويوصل إلى كل ذي حق حقه، وعلى ما أصاب أصحاب علي حيث كانوا.

  • الإمام الحسن وبناء جيل المقاومة والتغيير

الإمام الحسن ورغم هذه الاتفاقية لم يتوقف عن العمل كقائد للأمة منصب من السماء، يتحمل دوره القيادي بشكل ايجابي وسلمي وحسب المساحة والوثيقة لترتيب الأوضاع وتربية جيل جديد قادر على تحمل مسؤولية التغيير والبناء ومقاومة الدكتاتورية والظلم بروح ومبادئ إسلامية خالصة لله. النظام الأموي وعبر بنود هذه الاتفاقية انكشف زيفه حيث انقلب النظام عليها لأنها تمثل خطرا عليه وعلى مستقبله السياسي، ولم يكتفوا بذلك بل حاولوا النيل من شخص الإمام الحسن عبر عدة طرق لسحب الصفة الرسمية والشرعية الملتصقة به بقرابته القريبة من رسول الله ومكانته عند عموم المسلمين، وذلك من خلال المنع بان يدفن بجانب قبر جده المصطفى وتعرض نعشه للضرب بالسهام.

دفن الإمام الحسن في البقيع بالقرب من جدته فاطمة بنت أسد، مظلوما مسموما، ولم يسلم ضريحه من الاعتداء والإزالة ليبقى مجرد قبر ترابي. السلام عليك يا سيدي يا أبا محمد الحسن المجتبى أيها القائد الكبير. يا قدوة المؤمنين الثائرين.

كاتب سعودي