الإمام الحسن المظلومية والثورة

علي آل غراش *

الثورة تخرج من رحم المظلومية، فمن مظلومية الإمام الحسن انفجرت ثورة عاشوراء الخالدة، ومن مظلومية الإمام الحسين، عرف المظلومون والمستضعفون طريق الثورة والإصلاح والحرية والتحرر من القيود، وتحقيق الانتصار - الشهادة أو النصر - ومع مرور السنين مازالت مظلومية الإمام الحسن حية شاهدة على حجم المظلومية التي تعرض لها الإمام الزكي، لتفجر الغضب وروح الثورة في قلب كل حر شريف مظلوم. ومتى وعى المظلوم بدور الإمام الحسن وقيمة تحركه الايجابي في ظل المظلومية بالبناء والاستعداد على جميع الأصعدة، فهو قادر على تحطيم ظلمة الخوف والترهيب، والاستعداد للتضحية بكل شيء والثورة ضد الظلم والعدوان.

إن أسلوب العمل يختلف من مرحلة زمنية إلى أخرى، حسب الظروف والأجواء السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ووعي الناس، والقائد الحكيم الرشيد المصلح هو من يتحمل المسؤولية لحماية العباد والبلاد ويكون مستعدا للتضحية في وقتها، ويتعامل بحكمة بما يتفق مع الشرع والمبدأ وفيه مصلحة للأمة بدون تنازل، لهذا السبب نرى التغيير والاختلاف في أسلوب كل نبي ورسول الذين هم أهم وأفضل قادة طوال التاريخ البشري،وكذلك على صعيد الأحرار والثوار والمصلحين والمناضلين لأهداف سامية ونبيلة. ومن أهداف الأنبياء في سبيل الدعوة للرسالة السماوية، مقاومة وتعرية الظالمين والمعتدين والمفسدين، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وبسط العدالة، وتحرير العباد..، لعبادة الله عبادة خالصة على قاعدة لا اله إلا الله.

والقائد الناجح هو من يفكر في مصلحة رسالته وقضيته، وفي مصلحة الناس، والقادر على العمل بشكل ايجابي حسب الظروف وسياسة الأمر الواقع، ولهذا نجد الرسول محمد عقد صفقة مع قريش أعداء رسالته الذين يريدون قتله والقضاء عليه، في صلح الحديبية حسب شروط معينة، ومنها إصرار الأعداء رجال قريش على عدم كتابة كلمة محمد رسول الله، وقد قبل النبي الكريم ذلك. وقبوله ليس تنازلا عن حقه أو اعترافا واستسلاما للعدو، وانما خطوة تفرضها المرحلة لمدة محددة فقط، لبناء القوة والكوادر والاستعداد الايجابي، ومن خلال ذلك حقق النبي الكريم المزيد من المكاسب لنشر رسالته.

حفيد الرسول الأعظم الإمام الحسن بن علي، ورغم انه القائد والإمام المعصوم المنصوص عليه، والخليفة الشرعي للمسلمين، والحاكم للأمة بعد شهادة والده، اضطر في ظل ظروف صعبة جدا تعيشها الأمة الممزقة والضعيفة والمشتتة، بعدما تم اختطاف الدين، وأصبح الدين مجرد اسم فقط، - أي ان الوضع مشابه لوضع جده مع اختلاف العدو من عدو واضح إلى عدو يتستر باسم الدين-، أن يوافق على فكرة الصلح المقدم له ولم يسعى هو إليه، ولم يرفض الإمام الفكرة كي لا يقال من قبل الهمج الرعاع غير الواعين بان الإمام الحسن بن علي يرفض الصلح والسلام ويحب الحرب، فعقد صفقة الصلح بشروط مع النظام الأموي في الشام. شروط صلح وليس اتباعا واستسلاما. فقد جاء في كتاب الفروق بين الأباطيل والحقوق:» بايع الحسن بن علي معاوية على أن لا يسميه أمير المؤمنين ولا يقيم عنده شهادة وأن لا يتعقب على شيعة علي شيئا ويؤمنهم ولا يتعرض لأحد منهم بسوء ويوصل إلى كل ذي حق منهم حقه وأن يفرق في أولاد من قتل مع أبيه يوم الجمل وصفين ألف ألف درهم وأن يجعل ذلك من خراج دار ابجرد من بلاد فارس، وأن يترك سب أمير المؤمنين والقنوت عليه في الصلاة».

ففي تلك المرحلة والوضع الصعب وغياب الوعي الديني لدى الشارع وتشابه الحق والباطل على الكثير من الناس بسبب الإعلام الأموي المضلل، سعى الإمام للمطالبة وتأمين الأمن والامان والسلام بين أتباعه وحقن دماء شيعته وإنقاذ رسالة جده من التشويه والضياع، وعدم ترك الساحة للأمويين لوحدهم لكي ينشروا أفكارهم وتدمير الرسالة. وقد بين الإمام الحسن موقفه والحجة من الصلح للبعض قائلا: (ولولا ما أتيت لما تُرك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قُتل).

فالإمام الحسن حريص على سلامة وبقاء أفراد شيعته، لتربية وأعداد جيل ثوري مقاوم للقيام بثورة جديدة لاحياء الدين المحمدي الأصيل، وكان ذلك في حادثة كربلاء الخالدة.

وللحديث تتمة مع الإمام الحسن والنهضة الحسينية.

 

كاتب سعودي