صلاة الجمعة في الكتاب والسنة
- مقدمة
تختزن الأمة الإسلامية من أسباب القوة في داخلها الشيء الكثير بحيث لو أنها استفادت من بعضها لأصبحت ليس في مصاف الأمم المتقدمة فحسب بل لفاقت عليهم وقادتهم إلى خير الإنسانية بل وخير الكون أيضا.
وأسباب القوة هذه أخذت بعداً معرفياً ومنهجياً في شتى المجالات التي تخص إنسانية الإنسان، وبعداً تطبيقياً يتمثلُ في مجموعة كبيرة من البرامج أو الطقوس والشعائر التي تراعي تطبيق المنهج وتحويله إلى واقع حي يتحرك في واقع الناس، وتراعي أيضا إذابة العوالق الدنيوية التي تبعد الإنسان عن إنسانيته.
ومن المؤكد أن أسباب القوة لدى أمتنا بل القوة التي لا تضاهيها قوة أخرى، يتمثل في الكتاب العزيز والرسول العظيم ، والأئمة الأطهار والذي ما أن تمسكنا بهم لن نضل أبدا.
وهذه الكلية من الأمور المتسالم عليها عندنا نحن الشيعة صغارا وكبارا، وعلينا أن نبحث في الجزئيات ونتحرى من خلال البحث والتنقيب في تبعيتها لتلك الكلية فنلحقها بحكم تلك الكلية، أو تغايرها فيلحقها حكمها.
فالحج مثلاً نقطع بأنه سبب من أسباب قوة الأمة حيث يتجلى فيه التسليم المطلق للمولى عز وجل، وتنصهر الألوان والأعراق والقوميات لتقف بمظهر وحدوي رائع، وتتبلور فيه الكثير من الرؤى، ويحدث فيه التعارف والتآلف بين كثير من المسلمين... وغير ذلك.
وصلاة الجماعة سبب من أسباب القوة حيث تتجسد فيها النظام والوحدة والتآلف.. وغيرها.
وصلاة الجمعة هي الأخرى سبب من أسباب القوة عند المسلمين حيث أنها تمثل التجسيد الواعي للحضور الإسلامي، والالتزام بالشعائر الإسلامية، ودورها البناء في واقع المسلمين ومستقبلهم.
وهكذا بقية الشعائر والعبادات والطقوس الدينية.
- الجمعة لغة واصطلاحا
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ ﴿قَالَ لَهُ رَجُلٌ كَيْفَ سُمِّيَتِ الْجُمُعَةُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَمَعَ فِيهَا خَلْقَهُ لِوَلايَةِ مُحَمَّدٍ وَوَصِيِّهِ فِي الْمِيثَاقِ فَسَمَّاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِجَمْعِهِ فِيهِ خَلْقَهُ﴾. (1)
الْجُمُعَةُ (بضم الميم وهو المشهور) أو الْجُمْعَةُ (بتسكين الميم):مأخوذة من الاجتماع كالفرقة من الافتراق.
ويوم الجمعة هو أحد أيام الأسبوع، سمي بذلك لاجتماع الناس فيه (2) لصلاة الجمعة أو مطلقا، وتسمية هذا اليوم المبارك بهذا الاسم من التسميات الإسلامية، وقيل غير ذلك، وقد كان يسمى قبل الإسلام بيوم (العروبة).
- مشروعية صلاة الجمعة
لا شبهة ولا خلاف في مشروعية صلاة الجمعة فهي واجبة في الجملة، بإجماع الأمة، بل إنها تعد من ضروريات الدين، وعليها دل الكتاب العزيز والروايات المروية عن النبي وأهل بيت العصمة .
وإنما الخلاف في بعض شروطها كحضور الإمام وإذنه وبسط يده أو بسط يد نائبه العام (الفقيه)، بعد الاتفاق على أغلبها كالعدد والمسافة الفاصلة بين جمعتين وغيرهما.
صلاة الجمعة في القرآن الحكيم
من الواضح أن الآيات الثلاث الأخيرة (9، 10، 11) من سورة الجمعة تتحدث عن صلاة الجمعة وبعض أحكامها:
الآية الأولى
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾
1- ظاهر الآية في قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ متوجه إلى المؤمنين، والفاسق مشمول بالخطاب ومتوجه إليه، بلا فرق بينه وبين المؤمن، أما بناءا على قول من قال:إنه مؤمن مع كونه فاسقا فواضح، وأما من قال بخلاف ذلك فيكون داخلا فيه أيضا على التغليب، كما يغلب المذكر على المؤنث.
2- أجمع المفسرون على أن المراد بالنداء في قوله تعالى ﴿إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ﴾ الأذان كما في قوله سبحانه ﴿وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ﴾ (3)
3- قال القطب الراوندي أن (من) في قوله تعالى ﴿مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ﴾ بمعنى (في) الدالة على الظرفية، بدليل أن النداء للصلاة المشار إليها في وسط الجمعة، ولو كانت (من) التي تختص بابتداء الغاية لكان النداء في أول يوم الجمعة، فهو على إضمار مصدر محذوف حذف لدلالة الكلام عليه، ومعناه إذا سمعتم أذان يوم الجمعة فامضوا إلى الصلاة (من) هنا (4)
4- ﴿فَاسْعَوْا﴾ السعي يكون عدوا ومشيا وقصدا وعملا، ويكون تصرفا في الصلاح والفساد ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ...﴾ (5) أي الحد الذي يقدر فيه على السعي، وقيل:وكان إذ ذاك ابن ثلاثة عشر سنة. (7)
وفي تفسير علي بن إبراهيم، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر في قوله ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ﴾ يقول اسعوا امضوا و يقال اسعوا اعملوا لها و هو قص الشارب و نتف الإبط و تقليم الأظافير و الغسل و لبس أفضل ثيابك و تطيب للجمعة فهي السعي يقول الله ﴿وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى لَها سَعْيَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ﴾(8) ومن ذلك يظهر أن المراد بالسعي ليس خصوص الإسراع في المشي، بل يدخل فيه كل ما يرتبط بالتهيأ وتحصيل جميع المقدمات اللائقة بها.
5- أجمع المفسرون على أن المراد بـ ﴿ذِكْرِ اللَّهِ﴾ هي صلاة الجمعة أو خطبتيها أو هما معا، وإنما عبر عنها بالذكر لأنها تشتمل على الصلاة و الخطبتين المشتملتين على الحمد والثناء والدعاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكلها تذكرنا بالله وكلها ذكر الله(9).
6- ﴿وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ أمر بترك البيع والشراء، فالآية وإن لم تذكر الشراء وغيره من سائر الأعمال التي تحول دون أداء هذه الفريضة بتمامها إلا أن النهي على ما يفيده السياق شامل لكل عمل يشغل عن صلاة الجمعة سواء كان بيعا أو غيره وإنما علق النهي بالبيع لكونه من أجلى المصاديق التي تشغل الإنسان عن الصلاة.
7- ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ تأكيد على حقيقة قد تغيب عن بعض من البشر وهي أن أوامر الله ونواهيه لا يريد منها الباري عز وجل إلا الخير للإنسان لذا يجب عليه التسليم والالتزام بالإئتمار بأوامره والانتهاء بنواهيه سبحانه، فحضور الجمعة واستماع الذكر وأداء الفريضة وترك البيع خير لكم وأنفع عاقبة لكم.
الآية الثانية
﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
1- قالوا أن الأمر بالانتشار في قوله تعالى ﴿فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ﴾ يفيد الإباحة والرخصة لأن الأمر الوارد هنا جاء بعد الحضر فلا يدل على أزيد من الرخصة والإباحة، وربما استدل بها بعضهم على وجوب الصلاة بهيئتها الخاصة لأنها لو لم تجب لكان الانتشار مباحا قبل إتمامها فلا معنى لهذه الإباحة الجديدة.
2- ﴿وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾ فضله جل وعلى لا يعد ولا يحصى لذا ينبغي السعي إليه والجد في طلبه ولا يكون ذلك إلا بفعل الطاعات كالدعاء وعيادة المرضى وحضور الجنائز وزيارة الأخوان في الله وما شابه ذلك، وقيل هذا أمر بزيادة التعقيب الذي يستحب يوم الجمعة. وعلى أي فإن العموم شامل لجميع ما ذكر وما شاكله.
3- المراد من الأمر بالذكر في قوله تعالى ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ أعم من الذكر اللفظي فيشمل ذكره تعالى قلبا بالتوجه إليه باطنا، والفلاح النجاة من كل شقاء، وهو في المورد بالنظر إلى ما تقدم من حديث التزكية والتعليم وما في الآية التاليه من التوبيخ والعتاب الشديد، الزكاة والعلم وذلك أن كثرة الذكر يفيد رسوخ المعنى المذكور في النفس وانتقاشه في الذهن فتنقطع به منابت الغفلة ويورث التقوى الديني الذي هو مظنة الفلاح.(10)
وقيل المراد من ذلك هو ذكر الله في التجارة.
الآية الثالثة
﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾.
1- اتفقت روايات الشيعة والسنة إجمالا في سبب نزول هذه الآية، ومن ذلك ما روى جابر بن عبد الله:قال: قدم عير لدحية الكلبي فيها طعام المدينة بعدما أصابتهم مجاعة، فاستقبلوه باللهو والمزامير والطبول وكانوا مع النبي في الصلاة فلما سمعوا صوت الطبول والمزامير ﴿انفضوا﴾ أي تفرقوا إلى العير يبصرونه وتركوا النبي وحده قائما.(11)
فقال عليه أفضل الصلاة والسلام لو تبايعتم حتى لا يبقى منكم أحد لسال بكم الوادي نارا ولولا هؤلاء لسومت لهم الحجارة من السماء فأنزل الله الآية.(12)
2- الفض كسر الشئ والتفريق بين بعضه وبعضه كفض ختم الكتاب وعنه استعير انفض القوم (13) و﴿انفَضُّوا﴾ هو من فضضت القوم فانفضوا : أي فرقتهم فتفرقوا، والمعنى تفرقوا إليها.(14)
3- ﴿تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا﴾ التجارة واضحة وأما اللهو فهو استعمال آلات اللهو من المعازف والطبول والمزامير وما شابهها للإعلام عن وصول قوافل التجارة، و﴿إليها﴾ أي إلى التجارة، وقيل إليهما لأن انفضاض البعض قد يكون للتجارة والبعض الآخر قد يكون للهو.
4- ﴿وَتَرَكُوكَ قَائِمًا﴾ أي تخطب قائما، وقد دلت الروايات من الفريقين على ذلك كرواية عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ صَفْوَانَ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْجُمُعَةِ كَيْفَ يَخْطُبُ الْإِمَامُ قَالَ يَخْطُبُ قَائِماً إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ وَ تَرَكُوكَ قائِماً.(15)
ورواية مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ﴿إِنَّ أَوَّلَ مَنْ خَطَبَ وَ هُوَ جَالِسٌ مُعَاوِيَةُ وَ اسْتَأْذَنَ النَّاسَ فِي ذَلِكَ مِنْ وَجَعٍ كَانَ فِي رُكْبَتَيْهِ وَكَانَ يَخْطُبُ خُطْبَةً وَهُوَ جَالِسٌ وَ خُطْبَةً وَهُوَ قَائِمٌ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ الْخُطْبَةُ وَهُوَ قَائِمٌ خُطْبَتَانِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا جَلْسَةً لَا يَتَكَلَّمُ فِيهَا قَدْرَ مَا يَكُونُ فَصْلَ مَا بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ﴾.(16)
- صلاة الجمعة في السنة النبوية
حظيت صلاة الجمعة في السنة النبوية المطهرة باهتمام واسع بلغ حد التواتر الإجمالي، قال بعض الأساطين(ولا يبعد دعوى تواترها بل لا شبهة في تواترها الاجمالي للقطع بصدور بعضها من المعصوم وعدم مخالفة جميعها للواقع (17))، وقد أنهاها بعض الأعلام إلى مائتي حديث أربعون حديثا بين صحيح وحسن وموثق صريح في الوجوب، وخمسون حديثا ظاهره الوجوب، وتسعون حديثا يدل على مشروعيتها في الجملة وعشرون حديثا يستفاد من عمومه وجوبها وإليك بعضا منها:
1- صحيحة زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ ﴿قَالَ إِنَّمَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى النَّاسِ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ خَمْساً وَ ثَلَاثِينَ صَلَاةً مِنْهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فَرَضَهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِي جَمَاعَةٍ وَ هِيَ الْجُمُعَةُ وَ وَضَعَهَا عَنْ تِسْعَةٍ عَنِ الصَّغِيرِ وَ الْكَبِيرِ وَ الْمَجْنُونِ وَ الْمُسَافِرِ وَ الْعَبْدِ وَ الْمَرْأَةِ وَ الْمَرِيضِ وَ الْأَعْمَى وَ مَنْ كَانَ عَلَى رَأْسِ فَرْسَخَيْنِ﴾.(18)
2- صحيحة أَبِي بَصِيرٍ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ جَمِيعاً عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ِ ﴿قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَرَضَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ خَمْساً وَ ثَلَاثِينَ صَلَاةً مِنْهَا صَلَاةٌ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَشْهَدَهَا إِلَّا خَمْسَةً الْمَرِيضَ وَ الْمَمْلُوكَ وَ الْمُسَافِرَ وَ الْمَرْأَةَ وَ الصَّبِيَّ﴾.(19)
3- صحيحة أَبِي بَصِيرٍ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ جَمِيعاً عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ﴿قَالَ مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ جُمَعٍ مُتَوَالِيَةً طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ﴾
4- صحيحة زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ ﴿قَالَ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَرِيضَةٌ وَ الِاجْتِمَاعُ إِلَيْهَا فَرِيضَةٌ مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ تَرَكَ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ ثَلَاثَ جُمَعٍ فَقَدْ تَرَكَ ثَلَاثَ فَرَائِضَ وَ لَا يَدَعُ ثَلَاثَ فَرَائِضَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ إِلَّا مُنَافِقٌ﴾. (20)
5- جاء في مجالس الصدوق، عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال ﴿قال أمير المؤمنين الناس في الجمعة على ثلاثة منازل رجل شهدها بإنصات و سكون قبل الإمام و ذلك كفارة لذنوبه من الجمعة إلى الجمعة الثانية و زيادة ثلاثة أيام لقول الله عز و جل ﴿مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها﴾ و رجل شهدها بلغط و ملق و قلق فذلك حظه و رجل شهدها و الإمام يخطب فقام يصلي فقد أخطأ السنة و ذلك ممن إذا سأل الله عز و جل إن شاء أعطاه و إن شاء حرمه﴾. (21)
- فتاوى العلماء في صلاة الجمعة
يرى السيد الخوئي (قدس سره) أن صلاة الجمعة واجبة تخييرا، بمعنى:أن المكلف مخير يوم الجمعة بين إقامة صلاة الجمعة إذا توفرت شرائطها وبين الاتيان بصلاة الظهر، فإذا أقام الجمعة مع الشرائط أجزأت عن الظهر(22)، وإذا أُقيمت الجمعة في بلد واجدة لشرائط الوجوب والصحة وجب الحضور على الأحوط(23) (وجوبا).
وشرائط الوجوب هي:
دخول الوقت، واجتماع سبعة أشخاص، أحدهم الإمام، ووجود الإمام الجامع لشرائط الإمامة من العدالة وغيرها مما يشترط في إمامة الجماعة بإضافة التمكن من إلقاء الخطبتين، ويرى البعض اشتراط الفقاهة أو الإجازة من الفقيه بالإضافة إلى ما ذكر.
شرائط الصحة هي:
الجماعة، وأن لا تكون المسافة بين المكان التي تقام فيه صلاة الجمعة والمكان الآخر أقل من فرسخ، وقراءة خطبتين قبل الصلاة.
ويقول الإمام الخميني رضوان الله عليه: تجب صلاة الجمعة في هذه الأعصار مخيرا بينها وبين صلاة الظهر،والجمعة أفضل والظهر أحوط،وأحوط من ذلك الجمع بينهما، فمن صلى الجمعة سقطت عنه صلاة الظهر على الأقوى، لكن الأحوط الإتيان بالظهر بعدها(24).
وقريب منه الإمام الشيرازي (أعلى الله درجاته) حيث قال بإجزاء الجمعة عن الظهر إلا أنه احتاط بالإعادة، قال رضوان الله عليه: (في زمان الغيبة - كهذا الزمان - الأحوط استحباباً لمن يأتي بصلاة الجمعة أن يأتي بصلاة الظهر أيضاً)(25).
ويقول السيد الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره): (تجب على وجه التخيير ابتداءً، وتجب على وجه الحتم انتهاءً، وذلك أن المكلفين في هذه الحالة يجب عليهم أن يؤدوا الفريضة في ظهر يوم الجمعة، إما بإقامة صلاة الجمعة جماعة على نحو تتوفر فيها الشروط السابقة، وإما بالإتيان بصلاة الظهر، وأيهما أتى به المكلف أجزأه وكفاه، غير أنّ إقامة صلاة الجمعة أفضل وأكثر ثواباً، وهذا هو الحكم الثاني لصلاة الجمعة ويعبر عنه بـ (الوجوب التخييري لإقامة صلاة الجمعة (26)).
هذا رأي بعض من مضى من الأساطين أعلى الله درجاتهم، أما من نتفيا بظلهم وننتهل من علمهم ونهتدي بهداهم فإنهم في الأغلب قالوا بالوجوب التخييري.
وقبل أن نستعرض بعضا من فتاوى علمائنا الأعلام أقتبس قبسا ورد في :
الفقه الإسلامي - أحكام العبادات -لأستاذنا السيد المرجع المدرسي (دامت إفاضاته): (يعطي القرآن في سورة الجمعة صلاةَ الجمعة ويومَها الموقع والمفهوم الحقيقي في منهج الإسلام، فالجمعة على الصعيد الخارجي رمز الاستقلال، وعلى الصعيد الداخلي رمز الوحدة والائتلاف).
ومن هذه الحيثيّات وأُخرى غيرها تأتي الدعوة الإلهيّة بالسعي لصلاة الجمعة وترك كلّ ما سواها لهواً أو بيعاً أو ما أشبه من شؤون الدنيا، وهكذا أصبح السعي إلى الجمعة لدى بعض المسلمين (مذاهب وعلماء) أمراً مفروضاً بإجماع الأمة عند توافر شروطها.
وقد اعتبر الكثير من فقهاء الإسلام وجود الحكم الإسلامي والإمام العادل شرطاً لإقامة صلاة الجمعة، ولعلّ ذلك مرتكز على كونها من الشعائر الدينية السياسية التي ينبغي أنْ لا ينتفع منها الظلمة في تضليل الناس وتمكين أنفسهم، فهي من أهم وأبرز المناسبات التي يجتمع فيها المسلمون مما يسمح للطغاة اتخاذها منبراً جماهيرياً لتضليل المجتمع، ونحن نقرأ في التاريخ كيف أصبحت خطبها مركزاً لحرب أولياء الله، كما فعل ذلك الحزب الأموي تجاه الإمام علي وأهل البيت .
ويرى (دام ظله) أن صلاة الجمعة: (تقوم مقام صلاة الظهر من هذا اليوم، فمن صلاها في وقتها سقطت عنه الظهر(27)).
وقال السيد السيستاني (متع الله المسلمين بطول بقائه): صلاة الجمعة واجبة تخييرا على الأظهر، ومعنى ذلك أن المكلف يوم الجمعة مخير بين الإتيان بصلاة الجمعة على النحو الذي تتوفر فيه شرائطها الآتية وبين الإتيان بصلاة الظهر ولكن إقامة الجمعة أفضل، فإذا أتى بها مع الشرائط أجزأت عن الظهر(28).
وقال السيد صادق الشيرازي (دام ظله): (صلاة الجمعة واجبة في زمان حضور الإمام المعصوم بدل صلاة الظهر، ولكن في زمان غيبة الإمام فهي واجبة وجوباً تخييرياً، أي إن المكلف مخير في يوم الجمعة بين صلاة الظهر أو صلاة الجمعة بشرائطها، ولكن الأحوط استحباباً إذا صلى الجمعة في هذا الزمان أن يصلي الظهر أيضاً (29)).
والسيد القائد الخامنئي (دام ظله) يتفق مع الآخرين في أن صلاة الجمعة واجبة وجوبا تخييريا إلا أنه يؤكد على ضرورة الإهتمام بها.
ففي معرض رده على سؤال عن المشاركة في صلاة الجمعة إذا كان هناك أشخاص لا يعتقدون بعدالة إمام الجمعة، فهل يسقط عنهم تكليف المشاركة فيها أم لا؟
فأجاب (دام ظله): (صلاة الجمعة وإن كانت في الوقت الحاضر واجبا تخييريا، ولا يجب الحضور فيها، لكن بالنظر إلى فوائد وأهمية الحضور في صلاة الجمعة، فلا ينبغي للمؤمنين حرمان أنفسهم من بركات الحضور في مثل هذه الصلاة لمجرد التشكيك في عدالة إمام الجمعة، أو لأعذار واهية أخر).
و في جوابه لمن لا يشارك في صلاة الجمعة لعدم المبالاة بها أو لاختلاف وجهات النظر؟
قال سماحته: (ترك الحضور والمشاركة في صلاة الجمعة العبادية السياسية من أجل عدم المبالاة بها مذموم شرعا، والإباء عن المشاركة فيها بصورة دائمة ليس له وجه شرعي(30)).
ويقول السيد محمد سعيد الحكيم (دام ظله): مع عدم بسط يد الإمام -كما في عصرنا هذا عصر الغيبة -يتخير المكلف بينها-أي صلاة الجمعة -وبين صلاة الظهر(31).