شعوبنا.. وعقدة الأطول والأكبر والأضخم !
أنعم الله تعالى على بلداننا الخليجية بنعم كبيرة وكثيرة - فشكرا لله ونسأله دوامها-، ومن تلك النعم وفرة المال بفضل الذهب الأسود البترول، وبفضل هذه النعمة العظيمة التي للأسف الشديد لم يتم الاستفادة منها بشكل صحيح، ولم تصل إلى عامة المواطنين - مما أدى إلى تشكيل طبقية في المجتمع وبالخصوص طبقة الفقراء والعاطلين عن العمل بسبب سوء الإدارة والتوزيع للثروة المادية الهائلة، برزت بنسب متفاوتة عقدة وهوس امتلاك الأطول والأكبر والأضخم، ورافق ذلك تنافس، مدعوم بهالة إعلامية بتضخيم المشاريع التي تقام في البلد، بأنها الأعظم والأطول والأكبر والأحدث والأكثر وان كانت بالتكلفة، على مستوى المنطقة تارة وتارة أخرى على مستوى العالم.
ولقد ساهم الإعلام في تكريس هذه الثقافة عبر وسائله بتضخيم المشاريع العملاقة حبتين وثلاث..، والتي صدقها المواطن وأصيب بهوس الغرور، بينما الحقيقة ليس بهذا الحجم، مثل خبر ان السعودية من أغنى دول العالم، وان الشعب ينعم ببحبوحة الغنى، بينما 60 بالمائة من الشعب لا يملكون سكنا أو أرضا، وان نسبة كبيرة منه تعاني الفقر والعوز والحاجة؛ وخبر إنشاء أكبر مصفاة للنفط في العالم بينما السعودية تستورد البنزين من الخارج؛ وخبر إقامة أضخم المستشفيات، وكبار الشخصيات يتم علاجهم في الخارج؛ وخبر إقامة أحدث جامعة في العالم، والجامعات السعودية والخليجية كالعربية في ذيل الجامعات الراقية، وإقامة أكبر مطارات في العالم، وهي مطارات تشتكي من الترهل وقلة الطائرات؛ وخبر بناء أكثر عدد من المساجد في العالم بينما اغلب الإرهابيين الذين قاموا بأحداث 11 سبتمبر من السعودية؛ وكذلك خبر إقامة أضخم مشاريع لتحلية مياه البحر، والشعب يعاني من نقص المياه الصالحة للشرب؛ بالإضافة إلى التغني بمدينة جدة انها عروس البحر الأحمر بينما هي غير فقد غرقت في شبر ماء!.
نشرت الصحف مؤخرا خبرا عن «استعداد الشركة السعودية للخطوط الحديدية (سار) لتدشين أطول قطار في العالم بطول يصل إلى 3 كلم،.. في نهاية العام الحالي». وهذا الخبر مفرح، وللحقيقة لقد أقيمت في السعودية والخليج مشاريع عملاقة هي الأضخم في العالم من حيث صرف المال وكبر المساحة المحددة للمشاريع، وهذا بفضل نعمة وفرة المال، وتوافر المساحات الشاسعة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ويبحث عن إجابات واضحة، هل صحيح ان تلك المشاريع هي الأكبر والأطول والأضخم والأحدث على مستوى العالم، وما الفائدة من إقامتها وصرف أموال طائلة عليها وعلى الإعلام إذا لم يكن لها عوائد مادية، وفوائد خدماتية تعود بالمنفعة للمواطن وللوطن، تتناسب وتساوي المبالغ الهائلة المصروفة والضجة الإعلامية؟.
وماذا جنى الشعب من إقامة مشاريع عملاقة يقال عنها إنها الأضخم والأطول والأكبر، وهي غير قادرة على تقديم الخدمات للشعب الذي يبحث عن سرير في المستشفيات، والبحث عن وظيفة تبعده عن لائحة العاطلين، والذي يعيش طوال حياته ينتظر لامتلاك منزل قبل وفاته.
لقد حان الوقت لينعم الشعب بمشاريع حقيقية وواقعية قائمة على التخطيط السليم في ارجاء الوطن، ووضع المسؤول الأفضل والأعلم والأقدر في الموقع المناسب، لتعود الفائدة على الشعب ويحصل كل مواطن على حقوقه بشكل عادل، وعلى خدمات أفضل، لتكون بلادنا في موقع أفضل وانسب، ويجب على الشعب أن ينشغل بالبحث عن الثقافة والمعرفة والخدمة الصحيحة والنافعة، والمطالبة بالحقوق.. ليكون هو الأفضل حقا