كلمة طيبة لكي
﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ﴾الزمر18
جاء رد على المقال (رؤفا بالقوارير) من أخت أحسبها قد تفاعلت فيه وكأنها استشعرت فداحة ما يفعله بعض من الرجال في بني جنسها من مخالفات شرعية وأخلاقية مما يندي له جبين الرجال الحقيقيين, واقترحت أن توجد آلية ومضمون قانوني أو قوات تدخل سريع لمنع هذا الظلم والاستفراد أو إن صح التعبير لمنع خيانة من أأتمن حين يخون أمانته في معزل عن العيون وفي غياهب الخصوصية والإستأثار غير المقنن.
وجوابي لها أن القصة ليست بهذه البدائية فهي معقدة ومتراكمة وفيها مواريث جاهلية وأعراف مقيدة وتداخل دقيق بين الحقوق والواجبات والكل مطالب بالعمل الخير في وقف مهازل ألانتهاكات الذكورية وما يصب في سواقيها من تجاذبات قد تكون المرآة داخلة في مسبباتها أو قادحة لنارها .
في المثل القديم , (كم كلمة قالت لصاحبها دعني ), إشارة لسهم الكلمة في التأثير على ساحة المجتمع وجمعها وطردها الانتقائي لأفراد وعوامل معينة في أي قضية مشخصة لحدود موضوعها وتتابع وترادف حيز التأثير.
حين تنطلق الكلمة من بين شفاه المتحدث في ظرف معين قد تتحول إلى فيضان من المعاني الواقعية وبحر من المفاهيم ألأعتبارية وتنفلت هذه الكلمة بمجرد ولادتها من فم هذا القائل وتبتر كل سلاسل المعقول والمألوف لتكون واقع جديد وغريب , بأحد التوجهات بين السلب والإيجاب أو بخليط من هذا وذاك.
طبعا إن كانت الكلمة صبت في طريق الخير سوف تذهب إلى رفع أحجار هذا البنيان أو ذلك الصرح وعلى درجات متفاوتة من الحجم والشكل أو في السرعة والمبادرة¸ولكن كالعادة باستحياء وحشمة وتؤدة كما هو ديدن الخير في اللطافة والسلاسة.
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء ﴾إبراهيم24
بعكس الكلمة السيئة حيث تنفجر انفجارا وتعصف إلى أبعد من حدود تعريفها فلا تساوي مفرداتها بل تجمع إليها من غير حدود تعريفها إلى فضاء التداعيات وردود الأفعال وانعكاسات المعاني الفوضوية.
﴿وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ﴾إبراهيم26
ونعلم أن الكلمة ذلك الكيان السحري المؤثر وكيف تمازج قلب السامع فتخلق فيه المشاعر وتصوغ ردود أفعاله وتسير تيار تفكيره بنمطها وأسلوبها وتغرس معانيها بل وتخيم بضلالها على روحه وكيانه, فإن كانت طيبة ألفت ونشرت الحبور في داخل المتلقي وفي محيطه وإن كانت العكس فهي على العكس في تأثيرها وتداعياتها.
﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ ﴾الأنعام33
إن مقاييس التعامل قد تتعدى سياج الحقوق والواجبات لتصل إلى أبعد من ذلك إلى العطاء أو الفداء أو حتى إيلاء الغير بالحق وإن كان ألأول صاحب خصاصة .
ذلك ما يمتاز به أصحاب اليد العليا الحقيقية وليست اليد الضاربة المعتدية الفاتكة .
إن الزوجة الصابرة والتي تعاني من الخسف والتعدي هي القوة الحقيقية العارجة إلى سماء الكمالات , وذلك بشرط الوصول إلى نهاية نفق الظلم إلى الحفاظ على سلامة إنسان أخر ودرئا لفشل ألأجيال القادمة وخسارة قد توقع بالصغار في بداية حياتهم ومستهل ممارستهم لدور ألإنسان بشكل سوي.
ما إذا كان ذلك الجبروت ألذكوري والنزق الحيواني انفجاري ومدمر فليس الصبر في هذه الحالة إلا إمهالا ,بل ومساعدة على الظلم , مهما كان الظلم أسريا عاما أو مرتكزا على هذه المرآة بذاتها.
هنا يجب أن تبدأ الكلمة وتتدرج من ألأشعار بالألم الواقع ثم الإيعاز بالممانعة والرفض إلى أن ترتفع مدوية لقلع ذلك التعدي الظالم من مواقعه كي لا يكون سلوكا واقعيا مهيمنا أو سائدا.
فالدين قد أشبع تربة الإنسان بمعايير عامة وأساسية في رفض الظلم والارتفاع بالإنسان ليوصله لدرج العصمة في ذلك بحيث أنه يتبلور نفسيا كي لا يستسيغ الظلم ويأنف من ممارسته أو قبوله أو حتى السكوت عنه ولو كان من الغير في حق الغير.
ودونكم بعض ألأحاديث في ذلك:
1- قال أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب : "بئس الزاد الى المعاد العدوان على العباد".
2- قال الإمام الصادق : كان علي عليه السلام يقول: "العامل بالظلم، والمعين عليه، والراضي به شركاء ثلاثة".
3- قال أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب للإمامين الحسن والحسين : "كونا للظالم خصماً، وللمظلوم عونا".
إلى غيرها من الأحاديث والآيات الزاجرة لفعل الظلم أو السكوت عنه أو تقبله من ألأخرين:﴿إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ﴾الجاثية19
هنا نقف وقفة مع المرآة ونقول نحن لا نريد أن نعالج أمرا بينيا ملتصقا بين المرآة والرجل بشكل قد يزيد الطين بلله ويشعل أوار المعاناة فيشمل غير موطن الخلل , إنا نتوجس من التدخل الفض ونتوسل بالأخلاق علها تشذب ما نبت من زيغ بين الزوجين أو إفراد ألأسرة ابتداء بالكلمة والموعظة فنحاصر موطن الخلل بسلاح ألايجابية فننزل الحل من باب الروح والأيمان والخلق كتيار كهربائي يثير القوة الذاتية في المخاطب لمنع الظلم والتعدي من الداخل وهذا والله أقوى من القيد الخارجي والتقنين البيني والمفروض من خارج ذات الفرد , إذ الوسيلة المادية ألإجرائية
كالدواء له ذلك العلاج المحتمل وأيضا الـتأثير الجانبي غير المرغوب به والمحتمل.
ولا يلجا إلى الدواء إلا في التوقف في الحل عليه وقبول وتعاظم إيجابياته على تأثيره السلبي المتوقع.
فالحل يجب أن يبتدئ بالكلمة الطيبة من الطرفين , وبالتعرض لنور التعاليم ألأخلاقية المطهرة للنفس :﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً ﴾الإسراء53
فيتصاعد ملاحظا الهدف الأكبر والأولى في المراعاة:﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً ﴾النساء9
وحتى يصل الدور إلى التحكيم إذا كان الخلاف أبعد من أن تستوعبه التعاليم والتأثيرات ألأخلاقية الذاتية حين يشط الخلاف :﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾النور51
فأن صار الأمر إلى أوسع من ذلك وتبلور إلى سوء العشرة واستمرار المعاناة غير المحتملة :﴿الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾البقرة229
وذلك برغم شدة كراهيته و وخامة وقعة إلا أنه حق للمرآة في الخروج من وضع وضعت فيه بنية أن يكون عشا هانئا معززا بالمباركة الشرعية والقوانين المفعلة للسعادة فتبدل إلى سجن وضنك بسبب الفشل ألإنساني وتضيع الفرص من قبل الطرفين على السواء ,لينقطع العذر في استمرار المعاناة ,والرجل هو الملام بعد ذلك فإن كانت المرآة هي السبب لسوء خلقها أو تعمدها لإفشال التجربة فبيدك الطلاق فلم تبقي أمورك أسيرة في قفص تلك المعاناة وتتحجج بذلك لتفتك بسكنك بعد أن انتزعت المودة والرحمة ؟
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾الروم21
فمن الحمق أن تتخذ لك عدوا في طرق عيشك وتصبح بهذه الحجة جلادا وسجانا لعائلة دهاها أمر الاختلاف وفتكت بها ألأنانية ولعب في فنائها الشيطان.
والأولى من قبل ذلك أن نزرع نبتة المودة ونسقيها بفيض الرحمة ونصبر أنانيتنا عن استلام الفوائد السريعة العاجلة لنمكن غرسنا من الترعرع والنشوء والتسامق في وارف الخضرة والطلع الحلو, بمعالجة الخلل بالحكمة والموعظة الحسنة.
والدور في ذلك للطرف ألأقوى فكريا وعقلا لا الطرف الأقوى عضلا ولا ألأكبر كفا وجسما , فالعين لا تحك بالمبرد بل ببض ألأصابع من وراء منديل لينقي منها القذى والكدر.