البوصلة ...
أيتها البوصلة من أين يمكننا أن نبتدأ والبدايات تترنح حين لا تنتهي بخيوط واضحة فنمضي عنها بلا هدى حتى يعلو صهيلنا في الأرجاء ، يجتاز حدود الأسماع فتتدحرج حوله حكايات تقتسم الحكمة والسفه معاً ..
يملأنا الظل الدافق فنعيد توجيه مسارنا العاصف في بهو الأزمان المثقوبة .. تتقارب خطواتنا وتتباعد .. نقترب منك حتى نعرفك كأنفسنا، فننفعل بالإصغاء المفتوح على بدايات مقروءة الملامح .. ونحتمي بالنص الأعظم بالولاية .. نمضي إليك فرحين وكأننا عثرنا عليك في درب طويل لمشينا المتواصل، نلتف حولك كأننا هالات ضوء مصقولة تصادفك في مرايا السماء فتتوحد بك .. نصلي بقلبنا ونضيء مشعلا نحمله ليرينا دربنا فقد غمرتنا دهشة اختلاف الإتجاهات وسكنت قلوبنا عتمة الأدلة .
بوصلة للحق أنت ومنارة ... فرحاه تدور معك أينما درت .. هكذا قرأنا كل الإستفهامات حولك فأجبتنا عنها بكشوفات عميقة المضامين واسعة الحكمة .. بوصلة أنت ودليل من النبي وصنوه ، أنت منه وهو منك فكيف لا تدور الأحداث في دائرتك ، كيف لها أن تنأى بمأمن عنك .. إنها أمة أدارتها أيدي السماء فخشعت ساجدة مشدودة بالولاء .. فبساق العرش نورك إزدهر، وذكرك ورد بالزبور والتوراة والإنجيل والفرقان ...
بك ابتدأنا ... وما ابتدأ الحديث بك حتى كنت فيصل له وفاصل .. بوصلة تعرف كل الإتجاهات .. تصمم هيكلية التوجهات لهذا الكون الواسع في تدرجات معرفة حركية تعنى بشئون الحياة كلها فلا تكاد تغفل جانب منها دون تزويده بعمق آخر ..
أبداً ما كانت الأمور عليك متداخلة، لا أشباه ولا شبه أشياء .. وبالرغم من كثرة الفتن ، فقد غدوت منارة وبوصلة للأمة ، من إلتف حولها عرف دربه، فعجيب أمرك سيدي بعد لقيمات من الزمن تعفو عليه، وصمتك يداري مسافاته لكي لا يفتضح، تفصل دوائر مصمتة محكمة الصنع حتى لا تغزونا العتمة ...
وفي زوبعة الريح السافرة وتصاعد الأتربة ودوي المسافات وترنحها .. فجأة فرت كل المؤشرات من بين أيدينا .. ففقدنا البوصلة وتداخلت الأشياء وأشباهها ...
مالهذه المؤشرات تفر من مكانها !.. مالهذه الطرق التي رسمتها تضيع في زوايا الأمة المعتمة .. فلا يمكنها أن تخضع لإتجاهات العقل والمنطق .. لتصبح أمة مفصولة مشتتة بين دين هارب وواقع مغموس بالذل والتضعضع .. وحقائق تاريخ تغيب فتغمز بالكذب والطعن تمنطقه المصالح الشخصية والشكوك العقائدية .. وتناقضات معلنة ومستترة وفصول كلامية متأرجحة ما بين مؤيديها ومعارضيها، وتداخلات للأحكام وفضائح لا حصر لها ، وأحلام معزولة الملامح وواقع بؤس يكشف عن روح هوية يائسة تنتظر انقضاء النهايات برؤية مهزوزة تريد أن تغير الكون بمجرياته بأفكار دخيلة دون دلائل ثابتة، حتى غدا الأمر أشبه بطاحونة الهواء المرتجة .
كل ما أحسنا فعله في لعبة الضمير المفتوح، أن نفقأ عين الحقيقة فنعطل رؤيتها ونسترسل في حديث مطحلب مع النفس حتى التبست فتنة الأحداث علينا وغدونا نصدق تأويلاتها الملتهبة دون تمحيص كالعادة .
ربما يكمن الخلل .. جُل الخلل بنا ، لأننا من أضاع تلمس الحقيقة في توهان موغل في عالم يكسبنا شحوباً كل يوم ، ربما ليس علينا أن نعرفك بأكثر مما عرفت به نفسك وعرفك به حبيبك ومن كنت له أخاً ووزيراً ، ربما كان علينا أن نتلمس طريقنا دون تعطيل لحروفك في وجه الكلام ولا فلسفتها بخارج مبالغات الفكر والعقائد المعطلة لآجال غير معلومة .. ربما لو فعلنا لما أضعنا بوصلتنا في تداخل الجهات علينا وتمازج جغرافيتها بذبذبات تشعرنا بالتوهان كل مرة نترجم نص جديد لواقع معاش ...