لنتعلم ثقافة العفة أللفضية


    لا شك أن التعبير عن الرأي أمر جميل ومطلوب ولكنه ينبغي أن يكون ضمن المحافظة على وجهة النظر في الاختلاف وحرية الرأي لأنه وكما قيل تقف حريتي عند حرية الآخرين، من هنا ينبغي أن نرقى بكتاباتنا إلى مستوى لائق وراقي فلا أحد يصل للكمال ولكن من يسعى حتما سيصل ..    

      سأبدأ بموقف جميل للمرجع الديني آية الله العظمى سماحة السيد محمد تقي المدرسي حفظه الله .. نقل في أحدى محاضراته وقبل عشرون عاما تقريبا أنه ألتقاه أحد طلابه في المطار .. كان السيد قادماً من الجمهورية الإسلامية وتلميذه كان متوجها للسفر لإحدى الدول للتبليغ، وبعد السلام وفي عجالة قال التلميذ للسيد ما هي نصيحتكم سيدنا .. فقال له السيد المدرسي ( قل للناس ما تقوله لله ) ومضيا كلٌ في طريقه .. حتماً هذه الكلمة جميلة جداً وتستحق أن نقف عندها بتأمل ويفترض أن تترك في نفوسنا أثر طيب ..

      من هنا فإني أعتقد ومن وجهة نظري الشخصية  أن الحديث مع الناس والكتابة هما أمانه وفن وذوق وأدب وخلق قبل كل شي، فبعض الأحاديث والمقالات المنشورة، المرئية منها والمكتوبة تفتقد للأمانة والتقوى وللذوق وللآداب العامة،  والمؤسف أن يرفع البعض راية الانتماء العقدي والولاء المذهبي لأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام،  ولكنه من ناحية أخرى يسيء لهم دون أن يعلم وقد يعود ذلك لضحالة في التفكير وضعف الوعي والتشخيص السيئ للأمور، وأما عتبي الكبير فهو على القائمين على بعض المواقع والمنتديات فهم ينشروا الجيد والرديء دون أدنى مسؤولية ودون مراعاة لمشاعر الآخرين وانتماءاتهم المذهبية والدينية والعقدية والفكرية، فمن الجميل أن نقف مع من نحب بالمدح والثناء ولكن من المخجل والمعيب أن نقف اتجاه من نكره بالعداوة والبغض والكراهية وهذا ليس من عقائدنا في شي، وفيه غضب الرب وأذى للمؤمنين، وهو ليس من تعاليم الدين ولم يأمر به أهل البيت عليهم السلام أبداًَ، فقد كان تعامل أهل البيت مع من يختلف معهم الموعظة الحسنة والكلمة الطيبة، كانوا يتحدثوا مع مخالفيهم كما يتحدثوا مع الله، أي لا يقولون لهم كلام ليس فيه لله رضا وللمخالف صلاح، فلم يسجل التاريخ أن أساء أحد الأئمة بتصرف أو بكلمة أو نية سيئة، كان خلقهم القرآن، بينما نحن بمناسبة وبدون مناسبة نتسلى على ذمم وأعراض الآخرين والبعض يصل به الأمر إلى أن يجعل لتصرفه غطاءً شرعياً وكأنه نبي مرسل يتخذ الغيبة والضلال والتكفير رسالة سماوية، يجعل منها ساحة لبث ما يعتقده ليبين للناس أنه يختلف مع من، ويتفق مع من، ليوهم السذج والبسطاء من الناس أن ما يقوم به  هو الصحيح بينما ذلك ضمن مساعيه لمحاربة وإقصاء من يختلف معهم وتسقيطهم والنيل منهم وإلصاق التهم بهم بشكل لا يقبله العقل البشري السوي ولا القرآن السماوي الذي تغيب آياته وأحكامه وتعاليمه عنهم.

      فقد تساءلت كثيرا من خلال إطلاعي على الكثير من المقالات في المواقع الإلكترونية ولا سيما تلك التي تنشر ضمن حدث معين فهناك كتابات تسلط الضوء على الحدث بعيون كاتبها وبحسب موروثه الثقافي ومخزونه العلمي والأدبي، والذي تكثر فيها الردود المؤيدة أو المنتقدة ضمن الضوابط الطبيعية وهي بطبيعة الحال تحترم حرية الرأي دون تحيز أو مجاملة، ولكن المؤسف له تلك الردود الأخرى والتي تأتي ضمن حالة انفعال مخجلة، مسيئة وغاضبة ومستنكرة وقد يصل الأمر للنيل من الشخص نفسه أو أشخاص آخرين ليس لهم طرف في القضية، ما يذل ذلك على تخبط واضح وصريح وقد يكون عدم توافق فكري لدى البعض ممن يعتقد أنه نقد وما هو إلا إساءة، دون علم أو دراية وقد يكون فرصة للتشفي من شخص أو أشخاص والنيل منهم بأسلوب دوني ورخيص .

      من خلال تشخيصي المتواضع لحالة الاختلاف والتي لم يتم التعامل معها كثقافة تبين مشروعية الاختلاف، وتساوي الرجل والمرأة، وعالم الدين والمثقف، والرئيس والمرؤوس، والمسلم وغيره، أعتقد أنه ينبغي أن نضع أسس تشكل أرضية متينة لثقافة الاختلاف من خلالها يتم إدراك حقيقة أن لكل طرف الحق الكامل في التعبير عن رأيه وموقفه وما يؤمن به، وأن يحاط بالتقدير والاحترام، ولا يجوز إيذائه والتقليل من شأنه مهما كان الرأي مخالفا، كما لكل أحد الحق في أن يقبل أو يرفض الرأي، فالخطاء والصواب وارد في أي رأي وفي أي موقف، وأنا هنا أدعوا الأخوة الكرام للوقوف أمام هذه التصرفات المشينة من خلال تصديهم ومبادرتهم بالدعوة للتوقف عن الكتابات التي تتعدى حدود الحرية وتنال من الشخص والشخصية، وهي باعث على الفتنة والتي هي أشد من القتل، وعلى أصحاب المواقع فلترة ما يرسل لهم من كتابات أو ردود تسيء للآخرين وتنال منهم بشكل فاضح وصريح، فالمجتمع لا يتحمل كل هذه المشاكل، وعلى ماذا هذه الخلافات ومن المستفيد منها وما هي النتائج المرتقبة وكيف سيتم معالجة ما يجري في الساحة من ردات الفعل التي قد لا يحمد عقباها، يكفينا تراشق وسباب وشتائم وتحقير للأخر ويكفينا ظلم لأنفسنا. 

      ومع كل ما يجري يبقى هناك ما يُحمل على الخير من خلال الردود الراقية التي تتحلى بها نفوس المؤتمنين على كتاباتهم، فهي بمثابة الحالة الإيجابية التي تعكس الجانب الثقافي الواعي لدى شريحة كبيرة من أبناء مجتمعنا، فالكثير ممن يهتم بالشأن الاجتماعي في مجتمعنا يحملون آمال كبيرة وطموحات عالية ولهم تمنيات في أن يجدوا مشاركات تسهم في أثراء الوعي الاجتماعي وتصب في لحمة المجتمع، وقد تكون محاولة جادة لمعالجة الكثير من المشاكل، ويجد القراء حاجتهم فيها ..