أطفالنا في مدرسة الحسين
أمضى عالم النفس والفيلسوف السويسري جان بياجيه خمسين عاما من سني حياته التي تجاوزت الثمانين «1896 - 1980 م» في صياغة نظريته الخاصة في تكون المعرفة وتطورها، حيث ساعد الباحثين على فهم طبيعة الطفولة التي تختلف نوعيا عن طبيعة الراشد، وكشف عن نسق النمو العقلي عند الطفل الذي يمر - حسب ما توصل إليه - بأربعة مراحل لكل منها مبادئ تحكمها، وخصائص تميزها، وهي تخضع لعوامل النضج والتدريب والتفاعل الاجتماعي والتوازن.
بالطبع نحن في العالم العربي بعيدون عن الاستفادة من هذه الدراسات، بل لسنا بحاجة لها، فنحن «نفهمها وهي طايرة»، فلا حاجة لتضييع الوقت بالدراسات والأبحاث. بالمناسبة، يذكرون بأنه حتى العام 1976 م كان هناك في الغرب أكثر من 35 ألف بحث ودراسة حول نظرية جان بياجيه. ألا يدل هذا على أنهم «ناس فاضية»؟!
نحن نطور مناهجنا الدراسية من خلال خبراتنا الشخصية التي لا تخطئ أبدا فتزداد الأثقال على ظهور أطفالنا مما يجعلهم عرضة للإصابة بالانزلاق الغضروفي «الديسك» في سن مبكرة، كما يصابون في نفس الوقت بعسر الهضم الدماغي، وانسداد شرايين القلب الموصلة للكتاب المدرسي.
نحن ولله الحمد ما زلنا متمسكين بتلقين أطفالنا في المدارس ما نريد، وكل المطلوب منهم ببساطة: الحفظ والحفظ والحفظ. لقد تمكنا من تحويلهم إلى مشاريع فلاش ميموري، وهذا إنجاز لم يصل إليه الغرب بعد. أرجوك أن تمسك الخشب حتى لا تصيبنا عيون الحساد؟!
لا أريد الاستطراد في معاناة أبنائنا وبناتنا مع المدارس، فالحديث شجون وشجون، ولكني أذكر هذا حتى لا نقوم باستنساخ التجربة المدرسية في أنشطتنا الاجتماعية المتعلقة بالأطفال. في موسم عاشوراء من كل عام يشارك أطفالنا في المجالس الحسينية المصمم خطابها للكبار بالدرجة الأولى؛ يحضرون ليسمعوا ما لا يستطيعون استيعابه فينتابهم الملل وربما يغطون في نوم يحلمون فيه بمنبر مختلف أو شيء آخر يقترب منهم أكثر. وهذا ما وعته في السنوات الأخيرة بعض الجهات المتصدية للنشاط الاجتماعي فقامت مشكورة بتصميم برامج عاشورائية موجهة للأطفال بأسماء مختلفة «مهرجان، مخيم، برنامج، ملتقى... الخ»، وضمت هذه البرامج باقة متنوعة من الأنشطة «مرسم، مسرح، مسابقة، إنشاد، تصوير، عزاء، مشاهدة أفلام كرتونية أو غير كرتونية خاصة بالمناسبة، الاستماع لقصص كربلائية،... الخ»، واجتذبت بالفعل الأطفال إليها واستطاعت بالتالي أن تسد فراغا وأن تجسر الهوة بين الطفل وبين فهم القضية الحسينية.
يقول المختصون إن الأطفال يتعلمون أفضل من خلال العمل والحركة، وعند استخدامهم حواسهم ومن خلال المحاكاة وتقليد الأدوار، والتجريب، والتفاعل مع البيئة، ومن خلال التشجيع الإيجابي؛ وهو ما تحاول أن تركز عليه البرامج المخصصة للأطفال. ولكن هناك نقطتان هامتان في هذا الصدد:
الأولى: ينبغي إشراك نخبة من المختصين التربويين في تصميم هذه البرامج؛ فليس من الصحيح أن تصمم البرامج بالبركة كما يقولون، فالطفل ليس محلا للتجربة والخطأ. لقد أنفق جان بياحيه - كما ذكرنا - خمسين سنة لفهم النمو الإدراكي عند الطفل، فهل ننفق خمسين ساعة في إعداد البرامج؟
وكما نطالب بإشراك ذوي الاختصاص، فإننا نطلب منهم أن لا يظلوا بعيدين عن دائرة الفعل والتأثير الاجتماعي.
الثانية: ينبغي عمل ملتقيات ومؤتمرات وندوات وورش عمل يحضرها القائمون على هذه البرامج لتدارس التجارب وتبادل الخبرات وتداول الآراء والاطلاع على المستجدات في هذا المجال مما يساهم في تطوير خطاب الطفل الحسيني وخلق منافسات إبداعية بين مختلف الفعاليات، ويصب في مصلحة الطفل أولا وآخرا.