"عكرشة بنت الأطرش بن رواحة " - نساء مع العترة الطاهرة

  من ربات الفصاحة والبلاغة والبيان وقوة الحجة وحرية الرأي ، و هي سيدة كبيرة بلغت من العمر عتياً حين تذكرها ابن هند وكيف كانت تهدر في وسط الميدان يوم صفين تستنهض الهمم وتشحذ النفوس لنصرة علي.

لم يهدأ معاوية إلا أن يستقدمها من الكوفة إلى الشام أسيرة على كبر سنها تقدم إلى المحاكم الخاصة التي أنشأها معاوية لتصفية أعداء الأمس فدخلت على معاوية متكئةً على عكاز فسلمت عليه بإمرة المؤمنين ثم جلست فقال لها معاوية :الآن صرت عندك أمير المؤمنين؟ قالت : نعم إذ لا علي حي . قال: ألستِ المتقلدة حمائل السيف بصِفين وأنتِ الواقفة بين الصَفين تقولين أيها الناس عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم. إن الجنة لا يحزن من قطنها ولا يهرم من سكنها ولا يموت من دخلها فابتاعوها بدار لا يدوم نعيمها ولا تنصرم همومها وكونوا قوماً مستبصرين في دينهم مستظهرين على حقهم إن معاوية دلف إليكم بعجم العرب لا يفقهون الإيمان ولا يدرون ما الحكمة دعاهم إلى الباطل فأجابوه واستدعاهم إلى الدنيا فلبوه فالله الله عباد الله في دين الله إياكم والتواكل فإن ذلك ينقض عرض الإسلام ويطفئ نور الحق هذه بدر الصغرى والعقبة الأخرى يا معشر المهاجرين والأنصار امضوا على بصيرتكم واصبروا على عزيمتكم فكأني بكم غداً وقد لقيتم أهل الشام كالحمر الناهقة تقصع قصع البعير . ثم قال معاوية :فكأني أراكِ عصاكِ هذه قد انكفأ عليكِ العسكران يقولون هذه عكرشة بنت الأطرش فإن كدت لتفلين أهل الشام لو قدّر الله وكان أمر الله قدراً مقدوراً. فما حملك على ذلك؟ قالت: يا أمير المؤمنين يقول الله جل ذكره ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ المائدة101

 وإن اللبيب إذا كره أمراً لا يحب إعادته. قال معاوية :صدقتِ فاذكري حاجتك. قالت : كانت صدقاتنا تؤخذ من أغنيائنا فترد إلى فقرائنا وقد فقدنا ذلك فما يجبر لنا كسير ولا ينعش لنا فقير فإن كان عن رأيك فمثلك من انتبه عن الغفلة وأرجع التوبة وإن كان من غيرك فما مثلك من استعان بالخونة ولا استعمل الظلمة. قال معاوية: يا هذه إنه ينوء بنا عن أمور رعيتنا ثغور تتفتق وبحور تتدفق. قالت :سبحان الله ! والله ما فرض الله لنا حقاً فجعل فيه ضراراً لغيرنا وهو علام الغيوب. فقال معاوية: هيهات يا أهل العراق أنبهكم علي بن أبي طالب فلن تُطاقوا ثم أمر برد صدقاتهم فيهم وإنصافهم