المحبون لا يصبرون
المحبون الحقیقیون لا يستطيعون الصبر على فراق الحبيب، فيأخذهم الشوق إليه، ولا يهدأ لهم بال حتى ينعموا بلقائه ويأنسوا بحديثه والنظر إليه.
هذا النوع من الحب عبر عنه الإمام علي عليه السلام في مقطع من دعاء كميل أجمل تعبير حين قال مخاطبا ربه بلغة العشق: فَلَئِنْ صَيَّرْتَني لِلْعُقُوباتِ مَعَ أعْدائِكَ، وَ جَمَعْتَ بَيْني وَبَيْنَ أهْلِ بَلائِكَ، وَفَرَّقْتَ بَيْني وَبَيْنَ أحِبّائِكَ وَأوْليائِكَ، فَهَبْني يا إلهي وَسَيِّدِي وَ مَوْلايَ وَرَبّي صَبَرْتُ عَلى عَذابِكَ، فَكَيْفَ اَصْبِرُ عَلى فِراقِكَ، وَهَبْني صَبَرْتُ عَلى حَرِّ نارِكَ، فَكَيْفَ اَصْبِرُ عَنِ النَّظَرِ إلى كَرامَتِكَ؟!
بالطبع، كلما عَظُم شأن المحبوب، كان الشوق إليه أعظم.
لنتأمل القصة التالية التي رواها الشيخ الطبرسي رحمه الله في تفسيره مجمع البيان عن أحد العاشقين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. يقول الشيخ الطبرسي في سبب نزول الآية المباركة:
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولٰئِكَ رَفِيقاً (69) ﴾ ﴿النساء﴾
نزلت في ثوبان مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان شديد الحب لرسول الله، قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): يا ثوبان: ما غير لونك؟ فقال: يا رسول الله ما بي من مرض ولا وجع، غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك حتى ألقاك ثم ذكرت الآخرة فأخاف أني لا أراك هناك لأني عرفت أنك ترفع مع النبيين. وإني إن أدخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك وإن لم أدخل الجنة فذاك حتى لا أراك أبدا، فنزلت الآية ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم): والذي نفسي بيده لا يؤمنن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه وأبويه وأهله وولده والناس أجمعين.
قصة حب أخرى ينقلها أبو الحسن الطبري المامطيري (280-360 هـ تقريبا) من علماء أهل السنة في كتابه (نزهة الأبصار ومحاسن الآثار) الذي حققه بحب العلامة محمد باقر المحمودي. القصة عن عاشق لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، والعاشق هو الحارث الهمداني، وهذا نص القصة:
عن أبي الجحّاف ، قال : بلغني أنّ الحارث أتى أمير المؤمنين بعد العتمة، فقال له : «ما جاء بك هذه الساعة ؟» قال : حبّك ! فقال له : «والله، ما جاء بك إلاّ حبّي ؟» فقال: والله ما جاء بي إلاّ حبّك ! فقال له :
«أبشر يا حارث، فلن تموت نفس تحبّني إلاّ رأتني حيث تحبّ ، ولا تموت نفس تبغضني إلاّ رأتني في أبغض مكان إليها تراني فيه ، أبشر يا حارث» .
القصة الأخيرة تتعلق باللحظات الأخيرة في حياة المحبوب، ينقلها القاضي النعمان المغربي في كتابه (شرح الأخبار) في رواية عن الأصبغ بن نباتة يقول فيها: لما ضرب علي عليه السلام الضربة التي مات فيها، كنا عنده ليلا، فأغمي عليه، فأفاق، فنظر إلينا، فقال: ما يجلسكم؟
فقلنا: حبك يا أمير المؤمنين.
فقال: أما والذي أنزل التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى، والزبور على داود، والفرقان على محمد رسول الله صلى الله عليه وآله لا يحبني عبد إلا رآني حيث يسره، ولا يبغضني عبد إلا رآني حيث يكرهه.
نسأل الله أن يجمعنا وإياكم على محبة محمد وأهل بيته الطاهرين، وان يحشرنا معهم، فالمرء مع من أحب، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: مَن أحَبَّنا كانَ مَعَنا يَومَ القِيامَةِ ، ولَو أنَّ رَجُلاً أحَبَّ حَجَراً لَحَشَرَهُ اللهُ مَعَهُ.
دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا.