بيان الإمام الشيرازي دام ظله - بمناسبة قدوم شهر محرم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلوات الله على خير الخلق أجمعين محمد المصطفى وعترته الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين.
«السلام عليك يا أبا عبد الله، وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك، وأناخت برحلك، عليكم منّي سلام الله أبداً مابقيت، وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد منّي لزيارتكم، السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين ».
روي في زيارة للإمام الحسين : « أشهد أنّك طُهرٌ طاهرٌ مُطَهَّر، من طُهرٍ طاهرٍ مُطَهَّر، طَهُرْتَ وطَهُرَتْ بك البلاد، وطَهُرَتْ أرضٌ أنت بها، وطَهُرَ حرمُك».[1]
فالإمام الحسين سلام الله عليه طهر مجسّد ( طُهْرٌ طاهرٌ ) والله تعالى هو الذي منحه الطهر فهو مُطَهَّر.
وهو سلام الله عليه من علي وفاطمة الطهرين الطاهرَين المطهرَين صلوات الله عليهما .
وامتداداً لطهره سلام الله عليه طهرت به البلاد من أنواع الدنس في العقائد الفاسدة، والأخلاق الرذيلة، ونحو ذلك.
وطهر البلاد نتيجة لطهر الأرض التي بها الإمام الحسين سلام الله عليه وهذا الطهر نابع من طهر حرمه سلام الله عليه .
وربما تكون هذه الجملة ( وطهرت بك البلاد) إشارة إلى المستقبل المحقق ـ الذي يعبّر عنه بصيغة الماضي في المحاورة الأدبية ـ حيث ستظهر الأرض كلّها على يد التاسع من ولد الإمام الحسين سلام الله عليه الإمام المهدي المنتظر بقيّة الله ـ عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ والذي سيرفع في مفتتح حركته التطهيرية الشاملة مظلومية جدّه ـ كما ورد في بعض الأخبار ـ.
هكذا تعلّقت المشيئة الالهية أن يكون الإمام الحسين سلام الله عليه طاهرا ً، ومصدراً للطهر الذي هو في الأصل من أسماء الله الحسنى، فقد ورد في الأدعية المأثورة خطاباً لله عزّ اسمه ( ياطُهْرُ يا طاهرُ )[2] فاشتق الله تعالى ـ على لسان الإمام الصادق سلام الله عليه [3] الذي لا يقول شيئاً إلاّ عن جدّه عن جبرئيل عن الله جلّ وعلا ـ هذا ( الطهر) في أنواع من صيغه، عن اسمه عزّوجلّ ـ كما ورد في هذه الزيارة الشريفةـ.
وها نحن على أعتاب شهر محرّم الحرام، ونستقبل ـ مع العالم كلّه ـ عاشوراء الإمام الحسين سلام الله عليه ـ ينبغي للجميع أن يتعلّموا (الطهر) منه ويعلّموه للآخرين، لأنه ـ وهو على خطى جدّه وأبيه صلوات الله عليهما وآلهما ـ مدرسة الطهر للأجيال كلّها عبر التاريخ .
إن العالم اليوم بحاجة إلى الاستنارة بنور الإمام الحسين أكثر من قبل، فجاهلية اليوم أشدّ وأعنف وأوسع من الجاهليّة الأولى .
جاهليّة ـ اليوم ـ هي هي الجاهليّة الأولى مزوّدة بالتقنية الحديثة، ومجهزة بالوسائل الفتّاكة في شتّى الأبعاد.
فالحروب التي تأتي على الحرث والنسل، والفساد في عامّة أنواعه، والظلم في مختلف المستويات، والتعدّي على الحقوق في كافّة الأصعدة، والتطاول على الكرامات في كل مجال .. وبالتالي اللاإنسانية المنتشرة تحت غطاء الإنسانية شملت البلاد والعباد.
في مثل هذا اليوم تكون الدنيا بحاجة ماسّة إلى تعلّم الطهر من الإمام الحسين وتعميم تعليمه للجميع في كل مكان وكل مجال .
الطهر في النفس بتطهير العقول عن العقائد الفاسدة.
والطهر في الفكر بتطهير الأدمغة عن الأفكار السيئة .
والطهر في السلوك بطرد رذائل الأخلاق عن الممارسات.
والطهر في اللسان واليد وسائر الجوارح بالالتزام بما ينبغي، والاجتناب عمّا لا ينبغي .
ولنبدأ بتطهير أنفسنا، ثم بتطهير المجتمع الصغير ( البيت، والأقرباء، والعشيرة) والمجتمع الكبير ( المدينة والمنطقة) والمجتمع الأكبر(العالم) عن جميع مظاهر الفساد والضلال.
فإن الإمام الحسين استشهد لذلك كما ورد في الزيارة التي علّمها الإمام الصادق لأبي حمزة الثمالي ( وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الضلالة والجهالة والعمى، والشك والارتياب إلى باب الهدى من الردى ).[4]
فنهضة الإمام الحسين الجامعة، لها من الذاتية والطاقة والعمق ما يمكن أن تكون مستوعبة لذلك كلّه.
ومن هذا المنطلق العظيم يجدر بالجميع ـ كل في مجاله ـ أن يهتم لتحقيق هذه الأهداف السامية للإمام الحسين في إقامة أصول الدين وفروعه، وتعميم أخلاق الإسلام وآدابه، وممارسة الشعائر الحسينية المقدسة بالطريقة المثلى والمتعارف عليها عند المؤمنين، مكثّفة وباستيعاب في كل مكان .
والله المسؤول أن يوفّق المسلمين للاستلهام من مناسبة عاشوراء الإمام الحسين سلام الله عليه في سبيل تجديد العزم على تطهير الأرض من عامّة أنواع الشر والرذيلة بالحكمة والموعظة الحسنة، بعيداً عن كل ممارسات العنف والغلظة والقسوة، والله تعالى هو الموفق المستعان .
1/ محرّم الحرام / 1426 هجرية
صادق الشيرازي