من علامات الحب
للحب علاماته التي يُستدل بها عليه. وهي كثيرة منها الشوق الواله للقاء المحبوب وعدم الصبر على فراقه، ومنها الشعور بالارتياح وانجلاء الهم بمجالسته، ومنها مداومة النظر إليه، ومنها بل أهمها كثرة ذكره إلى حد الإدمان.
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " من أحب شيئا أكثر ذكره".
وعن الإمام علي عليه السلام:" من أحب شيئا لهج بذكره".
وقد يبلغ الأمر بالمحب أن يحب لائميه لأن في حديثهم ذكرا لمحبوبه، كما قال شاعر العرفان ابن الفارض في قصيدته الرائعة ( هو الحب ):
وأصبو إلى العذّال، حُبّاً لذكرِها
كأنّهُمُ، ما بينَنا في الهوى رُسلُ
فـإن حـدثوا عـنها، فكلي مـسامع
وكُلّيَ، إن حَدّثتُهُمْ، ألسُنٌ تَتلو
ومما لا شك فيه أن شرف الذكر بشرف المذكور، وشرف الحب بشرف المحبوب. ومن هنا كان أعظم الذكر الدال على أشرف الحب هو ذكر الله تعالى، فهو حياة القلوب ونورها وجلاؤها وشفاؤها، كما تذكر الروايات الشريفة:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " بذكر الله تحيا القلوب، وبنسيانه موتها ".
وعنه أيضا: " عليكم بذكر الله فإنه شفاء، وإياكم وذكر الناس فإنه داء ".
وعن الإمام علي عليه السلام: " عليك بذكر الله، فإنه نور القلوب ".
وعنه أيضا : " إن الله سبحانه جعل الذكر جلاء للقلوب، تسمع به بعد الوقرة، وتبصر به بعد العشوة، وتنقاد به بعد المعاندة ".
إن حبنا لله تعالى يتجلى في ذكرنا الحقيقي له. ونقصد بالحقيقي الذكر الذي تتطابق فيه الجوانح مع الجوارح، ويكون البراني مرآة صادقة للجواني. وهذا ما أشار إليه الإمام علي عليه السلام بقوله: " لا تذكر الله سبحانه ساهيا، ولا تنسَهُ لاهيا، واذكره كاملا يوافق قلبُك لسانَك، ويطابق إضمارُك إعلانَك، ولن تذكره حقيقة الذكر حتى تنسى نفسك في ذكرك، وتفقدها في أمرك ".
إذن غاية الذكر هو الفناء في المحبوب والاستغراق التام في جماله، وهذه مرتبة لا يبلغها إلا المخلَصون من عباد الله الذين شُغفوا بالذكر، فكان فيه لذتهم وأنسهم. جاء في الحديث القدسي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يقول الله عز وجل: إذا كان الغالب على العبد الاشتغال بي، جعلتُ بُغيته ولذته في ذكري، فإذا جعلتُ بُغيته ولذته في ذكري عشقني وعشقتُهُ. فإذا عشقني وعشقته رفعت الحجاب فيما بيني وبينه، وصيرت ذلك تغالبا عليه، لا يسهو إذا سها الناس. أولئك كلامهم كلام الأنبياء، أولئك الأبطال حقا".
ما أعظم ثمرة الذكر حين توصل الإنسان إلى أن يكون من الأبطال الحقيقيين الذين انتصروا على شهواتهم وأهوائهم، وليس الأبطال والنجوم الوهميين الذين يأكلون ويتمتعون كما تأكل الأنعام. البطولة الحقيقية أن تذكر الله " عند همك إذا هممت، وعند لسانك إذا حكمت، وعند يدك إذا قسمت"، والبطولة الحقيقية أن تذكر الله عند فورة غضبك وفي ساعات خلواتك.
عندما طلب نبي الله موسى عليه السلام من الله مسائله، جعل غايتها التسبيح والذكر، فقال في سورة طه:
﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا (35) ﴾
الكلام في الذكر طويل، ويكفينا أنه دليل على الحب، وأن الحب من ثمراته أيضا، كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله:" من أكثر ذكر الله أحبه".
دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا.