حق الصغير
وَأمّا حَقُّ الصَّغِيرِ فَرَحْمتُهُ وتَثقِيفُهُ وتَعْلِيمُهُ وَالعَفْوُ عَنْهُ وَالسِّترُ عَلَـيهِ وَالرِّفْقُ بهِ وَالمَعُونَةُ لـَهُ وَالسِّترُ عَلَى جَرَائِرِ حَدَاثتِهِ فَإنّهُ سَبَبٌ لِلتَّوبَةِ وَالْمُدَارَاةُ لَـهُ وتَرْكُ مُمَاحَكَتِهِ، فَإنَّ ذَلِكَ أَدنى لِرُشْدِهِ.
لم تدخل اتفاقية حقوق الطفل حيز التنفيذ إلا متأخرا، وبالتحديد في أواخر العام 1990 م. الاتفاقية هي ميثاق دولي يحدد حقوق الأطفال المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية.
في المقابل نجد وفرة من النصوص الدينية التي تتحدث عن حقوق الطفل قبل تكوينه وفي فترات الحمل والرضاع والحضانة والنشأة، والتي كان يمكن للحقوقيين الإسلاميين الاستفادة منها في صياغة مبكرة لوثيقة تبين اهتمام الإسلام بالطفل والطفولة، مع السعي الحثيث لنشرها وتطبيقها على مستوى العالم الإسلامي. ولكن يبدو أن التخلف الحضاري الذي تعيشه الأمة يجعلها لا تدرك قيمة كنوزها إلا بعد فوات الأوان.
وإذا كان التوقير هو عمدة حقوق الكبير، فإن الرحمة هي عمدة حقوق الصغير؛ الرحمة بتجلياتها الرحبة وآفاقها الواسعة من محبة وتقدير وعطف ورعاية وتربية وتهذيب وتعليم وغيرها، إذ الطفولة أحوج ما تكون إلى الرحمة حتى تتوفر لها الأجواء المناسبة والبيئة الخصبة لنمو شخصيتها نموا متوازنا في جميع الأبعاد.
إن استخدام أساليب العنف والإكراه والقسر في العملية التربوية في البيت أو المدرسة أو المجتمع لا يخلق سوى شخصية غير سوية، تستمرئ الذل في حال الضعف، وتمارس التسلط في حال القوة؛ شخصية لا تستطيع اكتشاف ذاتها فضلا عن إخراج طاقاتها الإبداعية الخلاقة.
لذا كان الحق الأول من حقوق الطفل المذكورة هنا في رسالة الحقوق هو الرحمة التي تخلق لدى الطفل إشباعا عاطفيا، وتجعله يرتبط بمن تجري على يديه ارتباطا حميميا ينقله في مرحلة تالية إلى حب مصدر فيوضات الرحمة ومنزلها، وهو الله تعالى.
مظاهر الرحمة تتجلى في النظرة للطفل بحب التي اعتبرها الإسلام عبادة كما ورد عن رسول الله : "نظرُ الوالد إلى ولده حبا له عبادة". وتتجلى في القُبلة المعبرة عن فيض مشاعر الحنان، والتي دعا النبي إلى الإكثار منها، فقال: « أكثروا من قبلة أولادكم ، فان لكم بكلِّ قبلة درجة في الجنة ». وتتجلى في تقديم هدية له خصوصا في مناسباته العزيزة على قلبه، فقد ورد عن النبي : « من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله، كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور، فإنّه من فرّح أنثى فكأنما عتق رقبة من ولد إسماعيل، ومن أقرّ عين ابن فكأنما بكى من خشية الله ». وتتجلى في اللعب معه والتصابي له، فعن رسول الله : من كان له صبي فليتصابَ له. وتتجلى بشكل عام في كل تعبير يوصل رسالة الحب للطفل.
الحق الثاني للطفل هو تثقيفه وتعليمه، أي تربيته وتهذيبه سلوكيا وفكريا. هذا الحق أقرته اتفاقية حقوق الطفل التي جعلت حق التعليم إلزاميا ومجانيا في مراحله الابتدائية على الأقل.
والنصوص تؤكد على هذا الحق أيضا، فقد ورد عن الإمام الصادق : الغلام يلعب سبع سنين، ويتعلم الكتاب سبع سنين، ويتعلم الحلال والحرام سبع سنين. وعن رسول الله : علموا أولادكم السباحة والرماية.
الحقوق الأخرى تتعلق بكيفية التعامل مع ممارساته وأفعاله الخارجية، ونلاحظ أنها تركز على العفو والتسامح والستر والتجاوز عن الأخطاء بما يفتح له طريق العودة وباب التوبة، بالإضافة إلى ضرورة استيعابه بمداراته وعدم الدخول معه في تحد تستعرض عليه فيه عضلاتك العقلية أو الجسدية.
التعامل مع الطفل بهذه الأساليب سيكون له بالتأكيد آثار إيجابية تنعكس على نضج الطفل، وهو ما عبر عنه الإمام عليه السلام بقوله: فإن ذلك أدنى إلى رشده. وهو ما سوف يدعوه للبر بوالديه فيما بعد. فعن رسول الله : « رحم الله من أعان ولده على برّه ... يقبل ميسوره ويتجاوز عن معسوره ولا يرهقه ولا يخرق به ... ».