حق السائل
وَأمّا حَقُّ السَّائِلِ فَإعْطَاؤُهُ إذا تَيَقَّنتَ صِدْقَهُ وَقَدَرْتَ عَلَى سَدِّ حَاجَتِهِ، وَالدُّعَاءُ لَهُ فِيمَـا نزَلَ بهِ، وَالْمُعَاوَنةُ لَهُ عَلَى طَلِبَتِهِ، وَإن شَكَكْتَ فِي صِدْقِهِ وَسَبَقْتَ إلَيهِ التُّهْمَةُ لَهُ وَلَمْ تَعْزِمْ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَيْدِ الشَّيْطَانِ أَرَادَ أَنْ يَصُدَّكَ عَنِ حَظِّكَ ويَحُولَ بَيْنَكَ وبَينَ التَّقَرُّب إلَى رَبكَ فَتَرَكْتَهُ بسِترِهِ وَرَدَدتَهُ رَدًّا جَمِيلاً. وَإنْ غَلَبتَ نفْسَكَ فِي أَمْرِهِ وَأَعْطَيتَهُ عَلَى مَـــــا عَرَضَ فِي نفْسِكَ مِنْهُ، فإنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ.
الإنسان فقير بذاته، محتاج إلى الله الغني الكريم، يسأله بلسان الحال أو به وبلسان المقال فيعطيه؛ كما قال تعالى في سورة إبراهيم: وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34).
وهو تعالى يحث الخلق على سؤاله ويحببهم إليه؛ عن أبي عبد الله قال: قال رسول الله : إن الله تبارك وتعالى أحب شيئا لنفسه وأبغضه لخلقه. أبغض لخلقه المسألة وأحب لنفسه أن يُسأل وليس شيء أحب إلى الله عز وجل من أن يُسأل فلا يستحيي أحدكم أن يسأل الله من فضله ولو شسع نعل.
أما سؤال الإنسان مثلَه فإنه غير محبوب في الأصل، إلا أن الضرورة قد تُلجِئ إليه. ففي الحديث عن رسول الله : الأيدي ثلاث: يد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد المعطى أسفل الأيدي؛ فاستعفوا عن السؤال ما استطعتم. إن الأرزاق دونها حجب فمن شاء قنى حياءه (أي حفِظ حياءه) وأخذ رزقه، ومن شاء هتك الحجاب وأخذ رزقه. والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبلا ثم يدخل عرض هذا الوادي فيحتطب حتى لا يلتقي طرفاه ثم يدخل به السوق فيبيعه بمد من تمر ويأخذ ثلثه ويتصدق بثلثيه خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو حرموه.
وانطلاقا من هذا تحدث الشارع المقدس عن السائل وحقه. ففي القرآن الكريم نهي عن زجر السائل ورده بغلظة، كما قال تعالى: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10) سورة الضحى. وفيه أيضا بيان لسيرة المتقين مع السائلين، وهي سيرة نموذجية ينبغي أن تُحتذى كمثال. يقول تعالى: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) سورة الذاريات.
يعلق السيد الطباطبائي في تفسيره الميزان على هذه الآية قائلا: الآيتان السابقتان تبينان خاصة سيرتهم في جنب الله سبحانه وهي قيام الليل و الاستغفار بالأسحار وهذه الآية تبين خاصة سيرتهم في جنب الناس وهي إيتاء السائل والمحروم.
وفي الروايات حث على عدم رد السائل؛ فعن الإمام الباقر : أعطِ السائل ولو كان على ظهر فرس.
ويبين الإمام علي بن الحسين في هذا المقطع حق السائل الذي يتمثل في إعطائه مع التيقن والتحقق من صدقه والقدرة على البذل، وفي الدعاء له، ومساعدته ما أمكن على قضاء حاجته. أما في حالة الشك في صدقه، ووجود مؤشرات سلبية حوله تدعوك للتوقف عن إعطائه، فمن المحتمل أن يكون ذلك من تسويلات الشيطان يريد حرمانك من الثواب، فعليك أن تفكر في الأمر جيدا، وإذا اتخذت قرارا بعدم إعطائه فليكن ذلك بطريقة لبقة تحفظ كرامته، أما إذا عزمت على العطاء رغم ما بدا لك فأنت بذاك تنتصر على نفسك، وهو ما يحتاج إلى إرادة صلبة وعزيمة قوية.
وهنا لا بد لنا من وقفة مع ظاهرة التسول التي انتشرت هذه الأيام، حيث لا يمكن للإنسان معرفة حقيقة السائل، خصوصا مع كثرة المتحايلين الذين يستغلون عواطف الناس الخيرة للحصول على المال. ومع وجود المؤسسات الخيرية التي تُعنى بحالات الفقر وتدعم المحتاجين، فإن الطريق الأسلم أن يسلم الشخص تبرعاته إلى تلك الجهات حتى يضمن وصولها إلى ذوي الحاجات الفعلية، فيكسب الثواب العظيم.
وعلى العموم لا ينبغي لأحد يعرف الصدق من صاحب الحاجة وهو قادر على سدها أو بعضها أن يمتنع عن ذلك بحجة بعض التبريرات الواهية التي يكون للشيطان مدخلية فيها. ففي الرواية عن الإمام الصادق : أيما رجل مسلم أتاه رجل مسلم في حاجة وهو يقدر على قضائها فمنعه إياها، عيره الله يوم القيامة تعييرا شديدا، وقال له: أتاك أخوك في حاجة قد جعلت قضاءها في يدك فمنعته إياها زهدا منك في ثوابها، وعزتي لا أنظر إليك اليوم في حاجة معذبا كنت أو مغفورا لك