السكون .. أو الخلود ..
عندما تنظر للحياة من حولك .. تجد تباينا كبيرا فيها من عدة نواحي ، كحدث .. كظرف .. كزمن .. كأشخاص تتعامل معهم .. عالم الأشياء التي لا حصر لها من حولك والأمور الدائرة فيها .. كل الأمور تبدو صغيرة الشأن في الحياة .. كلها تبدو مهملة غير ملهمة سوى المبدأ .. المبدأ الذي نعتمده فتنطلق منه أقاصيصنا وحكايانا وتحاك به تفاصيل ورسوم لصورنا .. أولسنا قصة تروى .. ولكل منا سرد خاص به .. تمر بنا المواقف ذاتها .. ذات الأحداث .. ذات القضايا .. ذات التفاصيل .. ذات الحزن والفرح والفقد والوجد .. لكن تعاملنا معها يبدو مختلف .. مختلف تماماً لأنه يعبر عن كيفية تعاطينا معها .. فما يمايزنا عن بعضنا البعض هو كيفية التعاطي معها ..
بعض الناس تعرفهم فيشعروك أنهم قمم عالية .. ومن ثم ينصرفون عنك أو تصرفهم الحياة لحال يملؤك بالخيبة حد الدهشة حين تكتشف هشاشتهم .. والبعضهم تعرف أنهم يعيشون في سلام عميق كأنهم يشعون نورا أوكأن شيئا يضيئ داخلهم فيملؤك قناعة واصرار بأنهم مختلفون حد عدم اتساع دنيانا الصغيرة لهم لضيقها عن الإمتلاء بهم .. ولأن قدرتنا على استيعابهم تشبه تماما الإختباء وراء زوايا وأعمدة رخامية سميكة لمشاهدة اتساع الحدث وملؤهم له بتفاصيل عظيمة نعجز عن الإقتراب منها لشدة سطوعها ..
كل يوم يولد مئات البشر في زوايا الأرض .. يعيشون ويموتون بنفس الأعداد ، ولا أحد يعرف ما هم ولا قيمتهم ولا حتى كيف عاشوا ولا أحد يسأل عن موتهم .. لأنهم كما جاءوا رحلوا .. والبعضهم منهم يأبى أن ينصرف عن هذا العالم دون عطاء أو توقف أو بصمة يضعها تحكي عنه .. عن تفاصيله .. عن إيمانه .. عن صبره .. عن قيمته .. عن علاقته بربه .. عن وعن وعن ..... أمور كثيرة تربطه بهذا العالم الصاخب بل تربط هذا العالم به، فيدور في فلكه كيفما دار ..
ما أكثر القصص التي تحكيها الحياة وما أقل ما نحفظه منها لربما جميعها ينطفئ إلا التي أتت بسرد صادق ... فما بين سكونها وخلودها استيقاظ روحي عميق لعالم يدعونا للتفكر بفهم واستيعاب فنبصر حقيقة معنى حالة عدم الإكتفاء ..
في الحياة كما في التاريخ قصص لمحترفون في اصطناع الفضيلة وانتهاج البطولات الزائفة وتلفيق المواقف المشرفة جُعلوا ملوك وأصحاب مواقف خالدة مع أنهم ساقطون من هوة عالية أمام الحقائق التي نتلمسها حين نعمل عقولنا ونوقظ ضمائرنا ونبحر في تقصي حقائقهم الزائفة ..
مساحة عظيمة من السكون تجتاحك وأنت تتأمل شخوص نورانية صنعت داخلها بالفضيلة .. شخوص مختلفة عن مجرد الإستلقاء في الوجود وتكرار الحياة نفسها .. متجاوزة للعادات التقليدية والهموم اللحظية والتصنيفات المهملة .. شخوص وهبت نفسها للوجود كله ولم تكتفي فقط بمرحلة ستمضي وتندثر برحيلها .. إنه إحساس رهيب يعتريك وأنت تدخل لعالمهم المتناغم فتستحضر السكون والسكينة وتتناغم معأجزائهم وتضيف لنفسك بعداً جديداً يشعرك برحابة العالم الذي تنصت إليه