الثورة الحسينية الجديد المتجذر

اقرأ للكاتب أيضاً

 

قال الشيخ الدكتور أحمد الوائلي1 رحمه الله:

يَمَّمتُ يَوْمَكَ أَسْتَجْلِي رَوَائِعَهُ
مَا رِمْتُ رَائِعَةً إِلاَّ وَجَدْتُ بِهِ
هُوَ الْمَدَى مَيَّزَ الشَّوْطَ الْبَعِيدَ بِهِ
يُؤْذِيهِ أَنَّا دَأَبْنَا أَنْ نُطَالِعُهُ
لَوْ شِئْتُ قُلْتُ، وَمَا زَهْوُ الْفَتْحِ سِوَى

 

 

فَأَشْبَعَتْ نَاظِرِي مَوَّارَهُ صِوَرُ
كَأَنَّ كُلَّ سُمُوٍّ فِيهِ مُنْحَصِرُ
أَعِنَّةَ الرَّكْبِ مَنْ جَدُّوا وَمَنْ قَصَرُوا
مِنْ عَبْرَةٍ وَهْوَ فِيمَا يَحْتَوِي عِبَرُ
دُنْيَاكَ، إِنَّكَ دُنْياً مِلْؤُهَا ظَفَرُ

إن من أشد الأمور التي لا مراهنة على نسيانها .. الثورة الحسينية، التي كانت تمارس طقوس إحياؤها في أيام العشرة من المحرم وفي أيام السنة ضمن الدائرة الضيقة في ظروف القمع والمنع في عصور مضت وسنوات خلت، أمَّا اليوم فإنها تمارس في الدائرة الأوسع من حيث الانتشار والعالمية، وهذا راجع للتحدي الذي اختلط في دماء الشيعة طوال القرون الماضية على إقامة هذه الشعيرة وإحياء هذه السنة. ولأن ضيق الخناق قد ضاق على من يشده على رقاب أهل البيت وشيعتهم، ولأن هذا الخناق بدأ يتآكل ويبلى، لأن وهج الحسين سرى من حيث يشعر الظالمون ومن حيث لا يشعرون، وابتدأ ينفذ ويتسلل إلى الأماكن المغلقة التي كانت في يوم من الأيام صعبة المنال، ومحظورة الدخول على كل رأي مخالف لها. لذا نرى في معظم أطراف الدنيا وبالخصوص هذه الأيام إحياء لهذه المناسبة من قبل الشيعة ومحبي أهل البيت ، بل تمارس شعائرها في عقر أراضي كثير من المخالفين لمنهج أهل البيت ، لأن ما يميز الحسين هو أنه لا يضيق بمن يحتويهم، وإنما يزداد اتساعاً، وهذا من أسرار عظمته، ففي كل عام نلحظ المدَّ الأفقي لجاذبية الحسين في ازدياد، حيث تتسع دائرة تموجاته المتلاحقة لتصل إلى نقاط جديدة لتغمرها بالرحمة الإلهية. هذه الرحمة يجب أن نكون من المشمولين بها وأن لا نضيع فرصة وجودها بيننا، وذلك عبر إيصالها لكل شخص على هذه البسيطة بكل وسيلة صحيحة، وعبر أي طريق سليم، يوضح لكل متلقي أهميتها ويجعله من المتمسكين بها. وهذا ما جعل النبي والأئمة من بعده يعطونها أهمية كبرى، ويولونها العناية الخاصة، كونها صوت التوحيد المدوي، والامتداد المتجذر للرسالة المحمدية. والذي يعطي قدسية الامتداد هو شمولها بقول النبي الأعظم :( حسين مني وأنا من حسين ) و ( الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة ).

   ولو تأملنا معطيات هذه الثورة الحسينية التي كانت حاضرة في المنعطفات المهمة في تاريخنا الإسلامي وما أفرزته من تجذير وتأصيل قيم الدين وإبراز شأن الإسلام خلال ألف وثلاث مئة سنة مضت، لعرفنا مدى أهمية التمسك بها، والمراهنة على تحقيقها لمتطلبات الأمة وتخليصها مما تكالب عليها من محن وأحاط بها من أخطار، فلا شك أنها الجديد المتجذر الذي ينبغي لنا التعمق فيه أكثر وأكثر، ودراسته بشكل أوسع وأشمل، حتى نبرز جوانب العظمة فيه، ولا ننكفئ تحت جوانب بسيطة لا تعدو كونها قطرات من بحر لا يدرك قعره ولا تحد سواحله، ولا يخص مداه بزمن محدد.

1 – الشيخ الدكتور أحمد الوائلي، الديوان الأول من شعر الشيخ أحمد الوائلي، مؤسسة أهل البيت ، بيروت 1405هج، ص 36- 37 .
شاعر وكاتب من أم الحمام