اخطار استمرار الإرهاب الطائفي والعنصري في المنطقة
يقوم الإرهاب في العراق، على استهداف البني التحتية للدولة العراقية الجديدة، فيداهم جنوده دوائر الدولة ورجال الشرطة والحرس الوطني، تحت شعار الحرب ضد "المحتلين، أو " المتعاونين مع المحتلين" ، وكذلك الضغط من اجل اشاعة اجواء عدم الاستقرار ونشر الاحباط واليأس في نفوس المواطنين، وهو ما فشل فيه عندما ظهر اصرار المواطنين العراقيين على المشاركة في الانتخابات.
ويكشف الارهاب والمحرضون عليه عن وجهه الحقيقي ونواياه الخافية الإرهاب، عندما يقوم باستهداف الجوامع والكنائس والصوامع والحسينيات ورجال الدين والابرياء من المواطنين والمدنيين، وهذا يعبر عن الاخطار الحقيقية التي تواجه المنطقة وليس العراق فحسب، لانه يساهم في حد كبير الى تكريس ونشر الكراهية والعنصرية الدينية والطائفية وهذا مرض خطير لايقف عند حد معين.
والارهاب في العراق بشكل اساسي يستهدف ضرب الاكثرية التي تحاول الوصول الى السلطة عبر التداول السلمي وصنادي الاقتراع لذلك فأن الأكثرية الحاكمة في العراق تعتبر عند الارهاب العنصري هدفا أوليا مقصودا لذاته! وهو ما يؤدي الى قمع ادوات العمل السلمي والعقلاني ويشرع الباب لحرب اهلية ان ساهمت فئات وجماعات من الشعب العراقي او الدول المجاورة في المشاركة او التحريض عليه بشكل مباشر او غير مباشر.
ولانعتقد ان الحرب الاهلية سوف تخدم أي فئة او طائفة او دولة مجاورة، لانها سوف تشعل فتيل ازمات اقليمية ودولية حادة وتؤدي الى تفخيخ المنطقة وتفجيرها.
لقد أكدت الإحصاءات الرسمية وغير الرسمية الصادرة عن وزارات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان، أن 90 % من ضحايا الإرهاب في العراق، هم من الطائفة الشيعية، يتوزعون بين رجال الحرس الوطني وقوى الشرطة، ووحدات الجيش وقادة الدولة ورجال الدين ومواطنين عاديين.
فهل يحمل الإرهاب في العراق عقائدا وأفكارا وايدولوجيا مذهبية، تدفعه للقصاص من شيعي يؤدي صلاته في المسجد القريب من بيته تقربا لله، أوليس المذاهب الإسلامية تحث المسلمين على الصلاة في المساجد، أم أن الصلاة في مساجد المسلمين من غير مذهبهم أصبحت في عرف الإرهابيين محرمة؟
قد لا يكون للإرهابي دين أو مذهب، أو انتماء حقيقي، وهو كذلك، فالكثير ممن القي القبض عليهم، هم ممن لا يفقه أبجديات الدين والمذهب والسياسية، نعم قد يعرف الإرهابي الجهاد أو بمفهومه الانتحاري ولكنه لا يعرف أن " الجهاد" مقيد بفتاوى المجتهدين في مذهبه، أو أن الجولان أرضا سورية محتلة! فقد تفاجئ الإرهابي محمد التونسي عندما سأله المحق، لماذا لم تذهب إلى الجولان، أوليس الجولان أرضا محتلة؟ فقال الارهابي: وأين هي الجولان!
رغم أن الإرهابي في العراق لا يحمل ثقافة دينية أو مذهبية، أو سياسية، لكي يقال عنه إنه من الدين الفلاني، أو المذهب الفلاني، أو الحزب الفلاني، إلا أن دوافع أكثرية الإرهابيين الذين قبض عليهم كانت دوافع دينية ومذهبية محضة. فلم يكن الإرهابيون صابئة، أو يهودا، أو مسحيين، إنما كانوا مسلمين متطرفين، متشددين من مذاهب معروفة بتطرفها وتكفيرها للمجتمع والآخرين.
وبالتالي فأن للحركة الإرهابية في العراق بُعدان: الأول بُعد عقائدي، ففي عقيدة هؤلاء الإرهابيين، أن الشيعة ليسوا مسلمين، لكي تنطبق عليهم نصوص حرمة دم ومال المسلم، وحيث أن الشيعي ليس مسلما فهو إما مشرك أو كافر، ولا ثالث لهما، وفي كلا الحالتين يستحق الشيعي هدر دمه!. وهذا هو المعنى الواضح للفلسفة التكفيرية المتبناة من طرف بعض المسلمين المعتقدين بصحة عقائدهم وأعمالهم من جهة، وبخطأ اعتقادات الآخرين من جهة ثانية. ولا شك أن المنطلقات المذهبية المتعصبة لبعض أتباع المذاهب المتطرفة، هي بمثابة القنبلة المؤقتة في الوسط الديني التي إذا قدر لها أن تنفجر فإنها ستبدأ بأصحابها ولا تنتهي إلا بالمزيد من الدماء والأرواح المحرم قتلها.
والبعد الثاني بُعد سياسي، فحتى هذه الساعة لا يريد قادة الإرهاب المتطرفين ومن طابقهم الرأي والموقف، أن يتصوروا -مجرد تصور- أن الشيعة وهم الغالبية السكانية في العراق سيحكمون العراق الجديد، مثل غيرهم من مكونات المجتمع العراقي في نظام سياسي يكفل للأكثرية حقوقها والأقلية احترامها.
إن النظرة السلبية والتكفيرية لبعض المذاهب، وما ترتب عليها من أعمال إرهابية منظمة، طالت الألوف من الأبرياء بلا ذنب، هي بحاجة إلى مراجعة شاملة من قبل جميع المسلمين، لان من شأن هذه الأعمال الإرهابية أن تسيء للإسلام والمسلمين أكثر بكثير مما تحصل عليه من مكاسب آنية.
ومن هنا فانا ندعو إلى:
- تأكيد البُعد الإنساني للشريعة الإسلامية في نظرتها للإنسان كانسان، انطلاقا من مفهوم " وكرمنا بني آدم" أو "أن أكرمكم عند الله اتقاكم".
- توضيح بعض المفاهيم الإسلامية التي هي مورد الالتباس والخلط، مثل مفهوم المقاومة والجهاد، والتكليف، والتدين، والاستشهاد، وغيرها، ويتم ذلك عن طريق تشجيع بحث هذه المفردات وأمثالها، وعقد المؤتمرات والندوات، بمشاركة الخبراء والعلماء من كافة المذاهب الاسلامية للوصول الى المداليل الشرعية الصحيحة لكل مفردة من هذه المفردات وبالتالي الخروج بتعريف مشترك يقطع الطريق امام الاستغلال السيء للمصطلحات الدينية.
- إصدار الفتاوى التي تحرم قتل الآخرين ممن هم من مذاهب أخرى فلا تكفي الإدانة او إصدار البيانات لوحدها.
- تكثيف الحملة الإعلامية لأهل الحل والعقد والفتوى ممن له تأثير في مجتمعه ومذهبه، وذلك من خلال إعداد الكراسات والكتب والبرامج التوضيحية للمسائل الدينية.
- تطوير الدراسات الإسلامية بما يتلاءم وروح العصر والتطور والمعايشة السلمية للمجتمعات الإنسانية.
- فتح باب الاجتهاد أمام علماء المذاهب الإسلامية، لكي يتمكن العلماء من استنباط الإحكام الإسلامية استنباطا يتلاءم مع مستوى تفكير الإنسان المعاصر. فرجوع المسلم لفتاوى المتقدمين من غير ملاحظة الفوارق وظروف الزمان والمكان، يؤدي في كثير من الأحيان إلى الفهم الجامد للنص والحديث، بالتالي الجنوح نحو الإرهاب والفعل العنيف.
- دراسة المذهب الشيعي من خلال مصادره ومنابعه، ليتعرف المسلمون الآخرون على طبيعة المذهب الجعفري.
- نبذ العنف بكل اشكاله وتفعيل نهج اللاعنف في مقابل نهج العنف السائد في الأوساط الإسلامية، لان السلام هو الأصل، والحرب والعدوان مرفوضة في الاسلام.
- تشديد العقوبة على الإرهابيين وقطاع الطرق، للحد من سلوكهم الإجرامي المتزايد.
- وأخيرا اعتبار ضحايا الإرهاب في العراق شهداء، وتعويض المتضررين أو عوائلهم من عائدات الدولة النفطية.