العمالة الوافدة ضحية أيضا
لا فرق بين استخدام المدنيين كدروع بشرية في الحروب العسكرية وبين الضغط على الجاليات الأجنبية من أجل أهداف سياسية أو مجرد الانتقام ومعاقبة دول أو جهات في تلك الدول. هذه كتلك، وقد مارستها كثير من دول العالم الثالث في سياقين أساسيين هما السياسي والأمني، كما لجأت إليها في سياق اقتصادي أحياناً.
تتوجه بعض الدول إلى معاقبة جالية ما بوقف استقدام العمالة منها، وهي عقوبة تتأثر بها بشكل مباشر شريحة العمالة العادية كما تتأثر أسرهم التي تنتظر تحويلات مالية تساعدهم على مواجهة ظروفهم الحياتية الصعبة.
المتأثرون بقرارات الإبعاد أو عدم إصدار تأشيرات العمل، ينتمون في الغالب إلى دول العالم الثالث، وقد لا يمتلك بعضهم قدرة على التأثير في القرارات السياسية في بلدانهم، ولكن هناك كثير منهم يمتلكون ذلك من خلال النقابات العمالية التي تضغط بدورها على السلطة التشريعية لإصدار قوانين تحمي مصالحهم عبر قنوات سياسية واقتصادية.
تساهم وسائل الإعلام أحيانا في توتير العلاقات بين الدول لسببين: أحدهما: الوقوع في خطيئة الإثارة على حساب المصلحة العامة، والثاني: التوجيه الرسمي لبعض الصحف بإثارة هذه القضايا إما لسوء قراءة الأجهزة الرسمية، أو لاستخدامها كورقة في تحقيق مصالح أخرى.
وفي المحصلة، وعلى حد وصف الدكتور عبد الله المدني فإن " الطريقة التي تثار بها مشكلة العمالة الوافدة إعلامياً وما يطلق فيها من عبارات مثل : ( القنبلة الموقوتة ) ، ( الخطر الداهم على الهوية الوطنية) ، وما يوجه فيها من اتهامات مثل : ( تحويل المليارات من الدولارات سنوياً إلى الخارج) قد تجرنا إلى عواقب خطيرة لعل أهمها أنها تؤسس لنظرة عدوانية ضد الآخر المتجسد في العمالة الوافدة".
المشاكل التي تخلفها مشاكل العمالة الوافدة على مستوى علاقات الدول ليست محدودة التأثير في جانبها الإداري لأجهزة ومؤسسات وزارات الخارجية فحسب، بل تمتد لتشمل تأثيراتها الجوانب الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية. حتى الأجهزة الإعلامية التي قد تكون شاركت في إشعال اللهب ربما تكتوي بنارها حين تقرر الدولة الأخرى إغلاق مكاتب إعلامية، أو طرد مراسليها وما أشبه.
مارست أمريكا شيئاً من هذا مع الجاليات العربية والاسلامية الموجودة على أراضيها بعد أحداث 11 سبتمبر، فأبعدت البعض وعقدت إجراءاتها للمقيمين أو الراغبين في الإقامة مما دفع بكثير منهم إلى مغادرتها، كما شددت إجراءات الحصول على التأشيرات ومنعت الكثير من دخول أمريكا كعقاب جماعي. وذلك تحت ذريعة حماية الأمن القومي، ويمكننا أن نتفهم ذلك بالنظر إلى حجم الكارثة والتحديات التي فرضت واقعها أمام السلطات الأمريكية.
عدا عن نموذج التعامل الأمريكي مع الجاليات المسلمة عقب احداث 11 سبتمبر فإن مجمل التعاملات كانت في سياقها الطبيعي، فأمريكا والدول الأوربية عموماً تتعامل مع الجاليات في إطار أنظمة وتشريعات، ومن الواضح أن الأجهزة التشريعية في تلك الدول تقوم بين حين وآخر على دراسة مشاريع قرارات تتعلق بتنظيم حضور الجاليات بما يساهم في تنمية دولهم، ولم تنشأ أي حالة توتر بين دولتين من تلك الدول أو لم تتخذ قرارات مرتجلة نتيجة حادثة قتل أو جريمة سرقة أو ما أشبه.
إن ردة فعل الولايات المتحدة الأمريكية أو الدول الأوربية تجاه الجاليات الأجنبية لا يمكن أن يقارن بردة فعل دولة خليجية تجاه تصريح مسيء لعضو في الأسرة الحاكمة ينشر في صحيفة في دولة عربية لتقوم بطرد العمالة المنتمية لتلك الدولة. كما لا يمكن فهم المضايقات التي تقوم بها دولة خليجية لأبناء دولة عربية بسبب تظاهرة أمام سفارة أو تصريح في جريدة أو حادثة قتل فردية أو ما أشبه.
الخلاصة:
· من المصلحة أن تحتفظ الدول بعلاقات طيبة مع الآخرين، وهذا يقتضي دراسة نقاط التأثير السلبي على العلاقة، وتخفيض التوترات من خلال قوانين واضحة للتعامل مع الوافدين كأفراد، ودعم ملف السياسة الخارجية بأوراق داخلية نظيفة.
· انتج توتر العلاقة بين المملكة وبعض الدول المصدرة للعمالة إليها حالات ردة فعل انتقامية عنيفة في صيغة قتل وسلب وإيذاء ومضايقات للسعوديين المسافرين إلى تلك الدول.
· قد نتضايق كثيراً حين تتخذ سلطات دولة ما إجراءات مشددة تجاهنا، لكننا لا نشعر بحال أبناء دول أخرى يشدون أحزمتهم ويقطعون آلاف الأميال إلى بلادنا طلباً للرزق فتواجههم المضايقات أو التعقيدات الإدارية والحملات الإعلامية لأسباب هي بحاجة إلى دراسات لا إلى حملات إعلامية وطرد.
· لا نريد التقليل من حجم المآسي الإنسانية لجرائم القتل التي ارتكبها بعض الوافدين. ولكن الانتقام من جالية بأكملها ليس حلاً. وأن نضحي بعلاقاتنا مع الدول الأخرى ليس من العقل في شيء.
كاتب وصحفي سعودي