ساهر ضد التمييز
الكثير من المقالات والمحاضرات والندوات والمؤتمرات والكتب والبرامج في السنوات الأخيرة كان محورها السلوكيات الطائفية والحلول الناجعة لوقفها أو الحد منها. وبرغم كل الكم الهائل من التوصيات والرؤى والمقترحات، فإن شيئا يُعتد به لم يتحقق بعد على أرض الواقع، إذ ما زالت الممارسات الطائفية البغيضة تتم دون أية كوابح مستفيدة من وسائل الاتصال والتواصل الحديثة.
تشعر أحيانا بالإحباط حين يتعرض فرد أو شريحة من المجتمع لقذائف من العيار الثقيل من الشتائم و(تغريدات!!) التهديد والإساءة وأفعال التمييز من آخرين يشاركونهم وطنا واحدا، ثم لا يجد ذلك الفرد أو تلك الشريحة طريقا معبدا يسلكه للانتصاف من هؤلاء، خصوصا مع عدم وجود المواد القانونية الصارمة التي تتعامل مع هكذا حالات.
لسنا بدعا من المجتمعات في العالم من حيث التنوع ووجود أقليات. فقد سبقتنا دول كثيرة استطاعت إدارة تنوعها وتحويله إلى موزاييك تتكامل مفرداته مع بعضها في تشكيل الهوية الكبرى العامة، دون أن تُضطر بعض المفردات إلى محو هويتها الخاصة، إذ لا تنازع بين الوحدة والتنوع. من هنا فإن ما نحتاجه ليس اجتراح حلول إبداعية نحوز بها قصب السبق، بل الاستفادة من التجارب الناجحة التي طبقتها كثير من دول العالم في هذا المضمار.
ولعل أول تلك الحلول وأنجعها هو سن التشريعات الواضحة الخاصة بحماية المواطنين أيا كان انتماؤهم من السلوكيات التي تنتقص من كرامتهم أو تحط من شأنهم أو تحرض عليهم. فلا يكفي وجود نص عام يشير للوحدة الوطنية، بل لا بد من مواد قانونية لا تقبل التأويل تمنع كل ما يؤدي إلى تمزيق المجتمع وتفتيته والاحتراب بين مكوناته.
وثاني الحلول التأكد من تطابق نصوص المناهج التعليمية مع روح الوحدة الوطنية، وخلوها من إشارات النبز والانتقاص من أي مكون. أما ثالثها فهو إنشاء هيئة عامة على غرار هيئة مكافحة الفساد لمكافحة الممارسات التمييزية، ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر.
يمكننا أن نسرد قائمة طويلة من الحلول المجربة من أجل ما يمكن أن نسميه (موطنة) المواطن الذي يتعرض للإقصاء والتهميش، غير إنها لن تنجح ما لم تكن مدعمة بإرادة سياسية تضع القوانين وتشفعها بالتطبيق. نحتاج إلى (ساهر) يرصد المخالفات القولية والفعلية المنطلقة من أرضية التمييز والكراهية ضد أي فرد أو فئة من فئات المجتمع، لأن كوارث حوادث الاشتباكات الاجتماعية أفظع من حوادث الطرقات بكثير.