طوق نجاة
تلاطمت أمواج الفتنة حتى ضعفت قدرة المراكب على النجاة في هدير بحر متضارب العواصف .. امتلأنا بالكره وكبر داخلنا الحقد حتى صار حجرا ثقيلا يبتلع الخير فينا بلا رحمة ..
إليك المشتكى أيها الأمل وطوق النجاة ففيك خوصمنا وبك جرمنا ولأجلك نحن واقفون ما بين حلقتين حادتين نقبض على صلاتنا كما نقبض على جمر يتلظى .. ومسافة قفز طويلة وشهقة حدث، فاصل ممتد لليل حالك وضوء صباح طالع يتشقق من عتمته يغذينا بالأمل ..
قد يغضبنا ما يجري ويحزننا ويربك أجندة الوقت ونوتات السلم المفترضة ويشوش معزوفات التعايش والسلام ، لكنه أيضا يعتصرنا لمرارة التجربة وامتهانها لإنسانية الإنسان داخلنا .. فالإخاء كلمة ذات قياسات فضفاضة لكنها تبدو عميقة الضبابية كظل سمكة صغيرة تسبح في نهر متسع لا وجهة لها في فضائه .. لا تحدها أخوة الدم فحسب ولا أخوة العقيدة وأخوة الأرض التي انشققنا منها ونبتنا وتفرعنا .. لكننا ظللنا عليها في خصام عميق كدهر أعوج إحدودبت معارجه فاستحال لقنبلة موقوتة توشك على الإنفجار كلما مستها روح شر عابرة بهفوة ، أو طارىء مغبر عابث ، أو حقد مخاصم يفتتن سلامنا الداخلي ويقوضه .. فالضبابية مربكة .. بلا وضوح .. تؤذي الشعور وتزحزح معارج الروح عن العلو .. فتفصلها بشدة وتشتتها وتستجلب الفتنة.
ولكل هذه الفتن أصبح لدينا مئة طريق ومذهب لكننا لا نعرف إلى أين سنذهب وأين هي معابرنا المتداخلة وأيها ننتهج وأيها نترك .. فنرمي أحلامنا على قارعة الزمن مرتين .. مرة لأننا ضحايا دون ذنب سوى فساد الآخر ونيته التي تعفنت بفعل الطواغيت وكيلهم بمكيالين وتأجيج الفتنة وامتطاء آثامها لتسقط منا شهداء لا قتلى بأشلائهم المبعثرة فوق تراب الأرض ، وفي المساجد ، وعلى سطوح المنازل وواجهاتها وأفنيتها الخارجية، لتكون شاهدة وشهيدة على فظاعة إجرام الإنسان أو بقاياه المدعاة ..
فالوحش الذي ربيناه في الفناء الخلفي لبيتنا وأطعمناه قاذوراتنا المتعفنة حتى كبر وسمن .. أصبح مستعصي على السيطرة الآن بعد أن فلت زمامه .. لقد بدأ يكبر وينفث سمومه في واجهة حياتنا بلا استحياء أو رادع .. ولم يعد أمر وقفه سهلا الآن .. فرائحته المتعفنة تنشر القيح في الأجواء وتزكم الأنوف وتجبرنا على القيىء .. لأن الشر يفلح كل مرة في اصطياد المغفلين والضعفاء وذوي الايمان القشري الذي لا يرتقي الإ لكونه أداة في تفكير الشر وخدمة نواياه المريضة وارضائها ..
فيا من تغلفون قلوبكم بالشر وتعبئونها بأكياس نفايات غليظة داخل قلوبكم ماذا تريدون منا .. لسنا خفافيش ولا هلاميات ولا كائنات فضائية تحاول اقناعكم بعقيدتها فلنادين يحترم الإنسانية ويقتسمها ويجعلكم مماثلين لنا لكم ما لنا وعليكم ما علينا فأي عدالة هذه تفرغنا من ذاتنا لتوازيكم بنا ..
كل ما يجري من احتقان يجعلنا استثناء من كل محاولات الانضباط المفتعلة حتى تحيطنا قطعان من الهم .. فكيف ينثر الحزن وجعه فينا لتشبه حكاياتنا موت بلا امضاء يمتطيه جهلة وحمقى وسفلة لم يعرفوا المرور بطريق الله يوما ويكذبون على أنفسهم مدعين أنهم راحلون لملاقاته فيدهسون في طريقهم أبرياء مضوا لله ببياض نياتهم ..
ارتفعت وتيرة الحقد وصار حجرا ثقيلا في صدوركم وصار ارتفاعه شاهقا .. صرنا نستشعره في تلوث أرواحكم نحن وكل الذين عرفوا الحب النقي .. الله وحده يعرف كم نتجلد في الصعاب لننال رضاه فليأخذ منا حتى يرضى، لن نكف عن الأمل ولن يكسرنا شر الليل .. سنتطاول لنكسر أعناق الناعقين بالحق لنهزمهم فصوته مطرقة قصاص تصلبناحين تتمايل قبائل الصبر فينا أو تبدي شيء من تراخي ..
ليس نصرا ذاك الشر بل موازيا للسخم الذي يتطحلب في أرواح ضالة مضلة تكافىء نفسها بالوهم فالانتصار الذي لا تشعر به سوى بأن يكون إبعادا لخصمك وسلبه حياته هو في حقيقته هزيمة ماحقة .. إن كنت محقا فجادله ، ناقشه ، عاتبه ، تقافز معه للخير في نفسك .. لا أحد يمكنه أن يفجر أحد ويفوز بالجنة .. الجنة التي تبنى على أشلاء الآدميين نار تقتص منك وتوجع روحك ولن تعدك بالسلام .. ستحيلك لظل شيطان يطارد نفسه .. يبحث في القمامة عن فضلات إنسان عن فتات هش لروحه ، وبقايا بشرية لكنها ليست كذلك فقد أنهكه اللهاث والخصومة وتعفنت روحه بفعل الإهمال ..
وبينما تتساقط روحه الخاوية في حضن جهنم سنبقى نحن ننتظر دائما هطول تباشير الفرح القادم ، وسترفعنا رحمة الله فوق كل الظروف الصعبة التي نواجهها فمهما كانت قساوتها .. سنجتازها بالصبر والإيمان .. وحين نرزق الرضا .. لن تهزمنا الدنيا بمنغصاتها .. ولن تغلبنا الأوجاع بتزاحمها .. سنجتاز محطات الألم بأمان وعافية .. فنحن قادرون على هذا ..