شبكة مزن الثقافية تحاور سماحة آية الله السيد مرتضى الشيرازي حفظه الله
شبكة مزن - هل ترون أن منهج الإجتهاد الحوزوي بأصوله وطرقه قادر على الإستجابة للتساؤلات المعاصرة ؟ أي هل هو قادر على أن يقدم أجوبة دقيقة لهذا السيل من التساؤلات المستجدة أم لا؟
سماحة السيد مرتضى - بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم إلى يوم الدين.
في البدء أود أن أعرب لكم عن شكري للإخوة القائمين على هذا الموقع – موقع مزن المبارك – على هذا اللقاء الذي نرجو أن يكون فيه ولو بعض الفائدة من باب نقل بعض العلوم أو بعض التجارب التي ربما تكون مفيدة لعدد من المؤمنين والإخوة الكرام, وأشكركم وأثني على جهودكم في هذا الحقل الحيوي الهام وفي سائر الحقول أيضاً.
بالنسبة إلى هذه القضية الاجتهاد نستطيع أن نقول بان الاجتهاد أمر فطري، فالحاجة إلى الاجتهاد أمر تدركه الفطرة ويدركه الوجدان السليم، وكون باب الاجتهاد مفتوحا هو مما تميز به المذهب الجعفري العلوي النبوي، ففتح باب الاجتهاد يعكس حاجة ضرورية حيوية في المجتمع وهو يتناغم مع الفطرة ومع الوجدان ومع الضمير ومما يحكم به العقل أيضاً , هذا بالنسبة للشق الأول من السؤال أو ما يستوحى من الشق الأول .
وبالنسبة للشق الثاني هل الإجتهاد وفتح باب الإجتهاد يستطيع أن يلبي حاجات العصر وشتى المستجدات أم لا , الإجابة على ذلك قد تكون أيضاً واضحة لماذا ؟ لأننا نتحدث عن فتح باب الإجتهاد على ضوء القوانين والكليات والضوابط والقواعد اتي أرسى قواعدها المهندس التكويني للكون وللإنسان وهو الله سبحانه وتعالى، فالمهندس التكويني للبشرية وللكائنات كلها هو الله وهو الأقدر على أن يهندس تشريعياً لهذه الكائنات, فليس من المعقول عقلياً وفلسفياً أن يكون تشريعه ناقصاً , الله سبحانه وتعالى وضع على لسان الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت الأطهار عليهم الصلاة وأزكى السلام , سلسلة من الكليات التي هي بمنزلة الشمس , أن القرآن بمنزلة الشمس , الشمس كل يوم هي جديدة , كل يوم هي معطاءة ومنتجة وكل يوم تلبي الحاجات , حاجات البشرية على مدى التاريخ , كذلك القرآن الكريم شمس معنوية , كما أن تلك شمس مادية , والقرآن الكريم والثقل الثاني هو العترة , هذان الثقلان وهذان الركنان يستطيعان أن يلبيا كل الحاجات , والإجتهاد باعتباره يستند إلى هذا المصدر التشريعي المتصل بمصدر الكمال وهو رب الأرباب , فمن الطبيعي أن يكون قادراً على تلبية الحاجات وأن يتناغم مع شتى التطورات.
لكن نضيف هنا نقطة مهمة وهي أن الإجتهاد وهو ضرورة فطرية وحاجة وجدانية وحكم عقلي أو إدراك عقلي , -على حسب اختلاف المسالك في أن العقل مدرك أم كاشف أم حاكم , هل هو مدرك أو يحكم- , هذا الاجتهاد ينبغي أن يخضع لضوابط ليس كل واحد يأتي ويقول أنا مجتهد وهو لا يعرف الأوليات ولا يعرف القواعد والضوابط الفقهية الأصولية الرجالية الكلامية وغير ذلك , لأن نفس ذلك الشخص الذي أعطى الكليَات وضع ضوابط في باب التزاحم في باب التعارض العام والخاص والمطلق والمقيد , الناسخ والمنسوخ , الأهم والمهم , وإلى آخر هذه الضوابط الموجودة , فانطلاقا من هذا يجب أن يخضع الاجتهاد لضوابط , والضوابط حددها رب الأرباب وهي مذكورة في كتبنا بشكل مفصل.
شبكة مزن - هذا يعني أنكم تقولون بإمكانية تلبية هذه المناهج القائمة اليوم لكل التساؤلات المستجدة؟
سماحة السيد مرتضى- نعم بدون شك, وإلا الاستدلال الآخر على هذا الموضوع إن لم نؤمن بذلك فهذا معناه الإيمان بأن الإسلام ناقص وإنه تكذيب للقرآن الكريم لا سمح الله ﴿اليوم أكملت لكم ديني وأتممت عليكم نعمتي ﴾ إذاً لم يكن الإسلام والدين بكامل, الدين هو الطريقة وهو الشريعة فكيف تكون الشريعة ناقصة إذاً لو قلنا أن الإجتهاد لا يستطيع أن يلبي حاجات العصر يعني قلنا أن الإسلام دين ناقص وقلنا أنه ليس خاتم الأديان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبالتالي ينبغي أن يأتي دين آخر وراءه وليس فليس 000
شبكة مزن - نعم هذا الكلام يمكن أن يكون بالنسبة لأصل مبدأ الاجتهاد ولكن بالنسبة إلى المناهج المعتمدة في كيفية الإستنباط هل هذه المناهج كافية أم تحتاج إلى تطوير لتستجيب للتساؤلات المعاصرة ؟
سماحة السيد مرتضى- بالنسبة إلى هذه المناهج الموجودة ‘ والتي كانت بشكلٍ آخر سابقاً موجودة، المحصلة النهائية هي واحدة، يعني الشيخ الطوسي قبل ألف سنه عندما كان يجتهد ولم يكن علم الأصول قد تطور كما تطور حالياً، أنتم عندما تلاحظون مجتهدي هذا الزمان عندما يجتهدون في موضوع المحصلة النهائية النتيجة النهائية هي نفس ما توصل إليه الشيخ الصدوق، والشيخ الطوسي والعلامة الحلي وافرضوا المقدس الأردبيلي وبحر العلوم ومن أشبه ذلك ومن أشبههم من العلماء، إذاً هذا هو في الواقع تهويل، يعني نحن نتصور لأن علم الأصول تطور، فهذا تطوره يكشف عن وجود خلل منهجي في ذاك الزمن إذاً نستكشف بهذا الطريق وجود نقص منهجي بالقياس إلى المستقبل، يعني البعض هكذا يفكر، هذا التفكير في الوهلة الأولى قد يبدو جميلا، ربما يكون جميلاً أخاذاً لكن في متن الواقع ما له جمال وماله حقيقة والدليل على ذلك هو هذا البرهان ( الإنيّ ) والذي يعني الانتقال من المعلول للعلة، نحن عندما نرى أن ما استنبطه الفقهاء على مر التاريخ، وما يستنبطونه لم يتغير فالمحصلة النهائية لم تتغير فهذا واجب أو حرام أو انه هذا أرجح وما أشبه ذلك، نعم ربما الآليات قليلة تتطور وربما لأن الحياة تعقدت أكثر فعملية الاجتهاد أضحت أصعب هذا موجود وربما لأنه أيضاً تباعدنا نحن بمرور الزمن عن مصدر الوحي وعن زمن النزول نزول الآيات والروايات أيضاً هذا يخلق بعض التعقيدات الجديدة، فالمشكلة أن القواعد ليست كافية وليست منتجة، أمثّل لكم مثالا واضحا، كان هناك اصطلاح ابتكره الشيخ الأنصاري ويبدو أنه موجود أيضا في الجواهر، وهو الحكومة والورود، ولم يكن موجودا قبل ذلك، فهل أدى عدم وجوده إلى عدم إصابة حكم الله سبحانه وتعالى عند السابقين، بالطبع لا.
شبكة مزن - من المعلوم أن للإمام الراحل قدس الله نفسه الزكية تراث علمي كبير وله أيضاً مؤسسات اجتماعية كثيرة وواسعة, فهل لديكم بعد رحيله مشروع للمحافظة على هذا التراث العلمي أم لا ؟ إن كان فما هي منهجيتكم للمحافظة على هذا التراث بالذات التراث الفقهي هذه الموسوعة الهائلة ؟ وبالنسبة إلى المؤسسات الاجتماعية ما هو تفكيركم للمحافظة على حيويتها؟
سماحة السيد مرتضى- السيد الوالد رضوان الله عليه كان يمتلك نظرة إستراتجية مستقبلية, في أبعاد شتى, فقد كان يرى انه لابد أن تتحول الأفكار والاطروحات التي ينادي بها إلى ملك للأمة بحيث لا تفنى بفناء الشخص ولا تنعدم بزواله, وأتذكر قوله حول الحرية كنموذج والديمقراطية التي كان يعبر عنها بالاستشارية:﴿ ينبغي أن نحول الحرية والاستشارية والتعددية وما أشبه ذلك إلى ظاهرة كالمجالس الحسينية في المجتمع الشيعي ﴾ نحولها إلى ظاهرة في كل المجتمع شيعياً وإسلامياً، فكما أن مجالس الحسين عليه الصلاة وأزكى السلام لا يمكن لأية حكومة القضاء عليها كذلك هذه الأفكار, فبهلوي كم حاول وحاول أن يقضي على شتى مظاهرها حتى المظهر الواحد منها لم يستطع القضاء عليه, ربما غطى عليها فترة من الزمن سواء كانت كمجلس القراءة أو البكاء أو حتى المظاهر الأخرى التي شددوا في محاربتها مثل التطبير مثلاً مع ذلك عادت من جديد, كان يقول لماذا, لأنه هذا المشروع الحسيني بشتى نواحيه ومناحيه ما كان ملك لفئة أو لجهة أو لشخص بل كان ملك للأمة, لذا لم يمكن القضاء عليه كما لا يمكن القضاء على الأمة, فهو كان يقول الأفكار الأساسية والإستراتيجية وما أشبهها ينبغي أن نحولها إلى ملك للأمة، وإذا أصبحت كذك فلن يمكن القضاء عليها عندئذ 0
هو رضوان الله عليه سواء في أفكاره العامة أو في مشاريعه حاول ذلك ونجح إلى حد كبير جداً، مثلاً بالنسبة إلى الأفكار أمثل لكم مثالاً ربما أول مرة تسمعوه ونادراً من الناس سمع بهذا المثال ، تعلمون أنه كان يؤمن بالآيات الحيوية في القرآن الكريم ويؤكد على ضرورة إحيائها وتكريسها وطرحها مثل آية الأخوة الإسلامية (إنما المؤمنون أخوة) آية الأمة الواحدة ( أن هذه أمتكم أمة واحدة ) فإذاً لا حدود جغرافية ولا جوازات ولا جنسية ولا غير ذلك, كما كان يؤمن بالتعددية الحزبية المقتبسة والمكتسبة من الآية القرآنية الكريمة, ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) باعتبار أن جوهر التعددية هو التنافس، وهكذا بالنسبة لآية الشورى ( وأمرهم شورى بينهم) (شاورهم في الأمر ) وآية العدل والإحسان ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) إلى آخر ه, وفي مرة استدعاني وقال أن هذه الأفكار أطرحها كواجب شرعي لكن إذا أصبحت الوحيد الذي يرفع الراية فعندئذ يصبح من السهل القضاء عليها، فلابد أن يكون هناك تحرك على كبار العلماء والمرجعيات وغيرهم لكي يتبنوا هذه الأفكار فتصبح ملكاً للأمة, فكان عندنا حديث طبعاً مطول وتخطيط مفصل, وأذكر جانب من الجوانب فقد كلفني ذاك الوقت أن أتواصل مع عدد من المراجع وعدد من كبار العلماء حول هذه الأفكار وبالفعل تواصلنا مع مختلف المرجعيات من الدرجة الأولى إلى الدرجة الثانية وكان من بينهم الشيخ ألمنتظري, الشيخ ناصر مكارم الشيرازي, السيد رضا الصدر, الشيخ آصف محسني, وآخرون فتداولنا معهم هذه القضايا حيث كان القسم الأكبر في البداية يعارض قسماً كبيراً من هذه الأفكار لكن بعد فترة من المداولات والنقاش والحديث, تبنى عدة من الفقهاء جملة من هذه الأفكار وقد تجلى ذلك في كتاب المطارحات (مطارحات مع قادة الفكر الإسلامي ) وهي سلسلة لقاءات أجريت مع عدد من كبار المراجع والشخصيات العلمائية تضمنتها هذه الأفكار والنظريات من إزالة الحدود الجغرافية, الأمة الواحدة, الأخوة, التعددية..... وهكذا, وكانت هناك مبادرات عديدة لا يسع المجال لذكرها, والحديث في هذا الحقل جداً مفصل وذكرياتي عنه ومتابعاته معي في أمثال هذه القضايا إذا كتبت ربما تصبح مجلدات, فهو كان يفكر بأن تتحول الأفكار والمؤسسات إلى ملك للأمة, ولذا تلاحظون أنه بوفاة السيد رضوان الله عليه لم يتغير شيء, وهذا أثار استغراب الكثيرين, مثلاً نموذج آخر بالنسبة للمؤسسات التي أسسها (بنفسه أو بتحريضه وتشويقه أو بتخطيطه )كان يرى ويؤكد رغم الضغوط المعاكسة على أن تتمتع باستقلاليتها ويدفع باتجاه ذلك ويكون لها اكتفاء ذاتي فالذي يؤسس مؤسسة يصعب عليه ذلك وهو أمر مرهق إدارياً و اجتماعياً ومادياً, حيث أن السيد رضوان الله عليه كان مطمئناً من هذه الجهة وكما رأينا بوفاته لم تتأثر المؤسسات في شتى أنحاء العالم من كندا وأمريكا وبريطانيا إلى البلد عندكم وأي مكان آخر فهي قائمة بذاتها, صحيح أن غياب المرجع بما هو يترك تأثيراً فهذا واضح وبديهي بما لديه من حيوية ونشاط وفكر ثاقب لكن الذي بناه لم يتهدم لأنه بني على هذه الإستراتيجية ( إستراتيجية الاكتفاء الذاتي ) فإدارياً كان يعتقد باللامركزية ولذلك ربّى جماعته وأصدقاءه في أنحاء العالم على اللامركزية فكل واحد هو قائد في حد ذاته كبيراً كان أو صغيراً, فهذه كانت نظرة استراتيجية.. فإذاً نحن قبل أن نجيب على السؤال المتعلق بمشروع الحفاظ على التراث العلمي - وأضيف إليه التراث الاجتماعي المؤسساتي وغير ذلك-, لابد أن نضع في اعتبارها هذه الإستراتيجية، فهي أكبر من الإجابة على هذا السؤال، وبالتالي فلم يعتمد الموضوع عليّ أنا أو على المكتب أو على أي جهة أخرى لأن السيد الوالد " رحمه الله" حول الأمر إلى واقع حقيقي لا يمكن تغييره ولا يمكن نسفه, هذا من جانب كإجابة على استراتيجية حقيقية واقعية وقد أشرت إلى جانبين في الواقع وإلا الجوانب أكثر من ذلك, الجانب الأول أن يقوم العلماء بتبني الأفكار الاستراتيجية والجاني الثاني اللامركزية والاكتفاء الذاتي.
ومع ذلك فهناك عدة أنشطة تصب في خدمة ذلك التراث، منها تأسيس مؤسسة باسم المؤسسة العالمية لإحياء تراث الإمام الشيرازي, كما أن هناك مؤسسات قائمة سوف تصب نشاطها في هذه المؤسسة, وكذلك أسست مؤسسة قبل أربعة أشهر من وفاته رضوان الله تعالى عليه وهي مؤسسة دراساتية مكونة من مجموعة من رجال الدين من أستاذة الخارج ومجموعة من الجامعيين اثنين منهم أساتذة في الجامعة مهمتهم التفرغ والتخصص في أفكار السيد رضوان الله تعالى عليه وبلورتها والتواصل مع مختلف المراكز العلمية, وكان ضمن الخطة أن تكون هناك فترة إعداد لعدة أشهر، وكم آلمنا رحيل السيد رضوان الله تعالى عليه ولم ير أول إنجاز لهذه المؤسسة لأنه توفي تقريباً على رأس أربعة أشهر, والآن لديهم عدة كتب منها كتاب عن فكر السيد في البيئة وكتاب آخر عن الصلح والسلم في الإسلام وكتاب آخر مجموعة دراسات وبحوث في أبواب متعددة من أفكاره, وهناك مشروع لكتابة أرشيف تاريخي ضخم عن حياته رضوان الله تعالى عليه يتضمن الجانب الأرشيفي والجانب التحليلي ربما يقع في عشرة مجلدات بجهود عدد من الأخوة في هذا الحقل, وأيضاً نحن نستنهض همم إخوتنا الأعزاء والمؤمنين في شتى أنحاء العالم، فأي شخص عنده وثيقة أو معلومة مفيدة لا بأس أن يبعثها إلينا ويمكن أن يتواصل عبر قنوات عديدة مثل المكتب أو أحد قنوات الإنترنت الموجودة مثل موقعكم أو موقع الإمام الشيرازي أو موقع المعصومين الأربعة عشر سواء باللغة العربية أو الإنجليزية أو أي لغة أخرى فأية معلومة أو وثيقة أو رسالة من السيد سوف تثري هذا البرنامج أكثر فأكثر إن شاء الله.
شبكة مزن - لا شك أن لسماحة السيد رحمه الله الكثير من المميزات التي تجلت في حياته، فما هي أبرز ما تودون تعريف الناس به؟
سماحة السيد مرتضى - أيضاً الحديث في هذا الحقل طويل لأنه كما يقول الشاعر
هو البحر من أي النواحي أتيته فشيمته المعروف والجود ساحله
تارةً الإنسان إذا تحدث عن شخص يتحير ما الذي يتحدث عنه لعدم وجود مادة وتارة يتحير لأنه غارق في بحر من المواد لا يعلم أي مادة يقتنص أو أية ذرة أو ثمرة يجني، فقد كنت أعبر أن السيد يتميز بأربع نقاط وهذه النقاط الأربع اجتماعها في شخص على مر التاريخ على حسب معلوماتي الناقصة واستقرائي الناقص كان نادراً في الواقع، وهي كالتالي:
الجانب الأول:- الجهاد
فالجهاد يحطم الإنسان حقيقةً، فحينما تكون محاصراً ومطارداً ومضغوطاً عليك في أهلك ومالك (المال الذي يبذل للعمل) وجماعتك ومكتبك وأتباعك.....والى آخر ه, فالجهاد يومياً يرهق الإنسان والسيد طوال عمره كان مجاهداً ولم يثنه ذلك عن مسئولياته التي سنشير إليها ﴿الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا﴾ حقيقة كان المصداق الواضح من المصاديق الجلية للاستقامة والصبر على الأذى في جنب الله وفي ذات الله, والحديث في هذا الجانب مفصل جداً.
الجانب الثاني:- الفكر الخلاّق
المفكر عادة يحتاج إلى جو هادىء كما تعلمون, والسيد كان في الجو الصاخب ينتج ويعطي، مع أن الظروف عندما تضغط على الإنسان لا يبقى له راحة نفس أو طمأنينة بال حتى يفكر ويبدع، لكن السيد حقيقةً كان يبدع آناً فآناً يعني كانت له خلاقية عالية في الأفكار ولذا الإنسان إذا يلاحظ كتب السيد يجده قد نشر أفكاراً ودرراً في الفقه الاقتصاد أو الحقوق أو القانون وهي أفكار حقيقةً, جداً مهمة فأهل الخبرة عندما يدققوا في كل سطر يلاحظوا أن هذه الفكرة هي مفتاح إلى كتاب ضخم أو بوابة لعالم واسع, ،وهناك أمثلة كثيرة وليس ادعاء.
الجانب الثالث:- الأخلاق الفاضلة
يندر في إنسان يعاني تلك الدرجة من الضغوط الهائلة وله ذاك المقام العلمي السامي أن يكون بهذه الدرجة من التواضع وبهذه الدرجة من سمو الأخلاق في مختلف الجهات... الإغضاء عن السيئة, سعة الصدر, التواضع, احترام الكبير والصغير عدم استحقار الناس, لأن البعض حينما يكون له مقام علمي أو اجتماعي يطغى, فهذا البقال أو العطار أو القهوجي أو ما أشبه ينظر إليه ويتعامل معه باستحقار, وقد لاحظت الوالد رضوان الله عليه يتعامل مع أصغر الناس وكأنه شخصية لأنه كان في ذاته مصداقاً لرواية الإمام السجاد عليه السلام ﴿اللهم ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي بقدرها، ولا تحدث لي عزاً ظاهراً إلا أحدثت لي عند نفسي ذلةً باطنةً﴾ حقيقةً كان مصداقاً لذلك، وكان يربينا على ذلك، فيوصينا باستمرار بأن لا نستحقر أحداً مهما كان عادياً، فلعله عند الله سبحانه وتعالى صاحب شأن ويحتاج أن يتمسك بأذياله الإنسان حتى يدخله الجنة.
الجانب الرابع:- الزهد
كان زاهداً بشكل غريب عن ملذات الحياة الدنيا من النوم والمشرب والمأكل والتنزه ....ألخ، وفي هذا الحقل الواحد يحكي كثير من القصص والشواهد لكن نحن نشير فقط،
﴿وهنا علّق سماحة الشيخ فيصل قائلاً: يكفي للإنسان أن يدخل بيته﴾
سماحة السيد مرتضى: أحسنتم،فقد كان هناك اقتراح في أيام الأربعين أن يفتتح بيت السيد للزائرين حتى يتعلموا درساً عملياً لهم, يروا السرداب الذي كان يؤلف فيه والغرفة التي كان ينام فيها، ولذلك فالناس حقيقةً عندما دخلوا ورأوا أثار فيهم ذلك صدمة نفسية هائلة بل أحدث انقلاباً في نفوس الكثيرين، أن هذا الرجل بهذا العطاء وكانت تأتيه الأموال كالسيل لكن كانت عيشته عيشة أفقر واحد, فالناس لم يستطيعوا أن يدركوا كيف كان يجمع تلك العظمة بهذا الزهد والتواضع وهذا كان وجه من وجوه العظمة.
فسمات التميز في شخصية السيد كثيرة لكن الأصعب فيها هو الجمع بين هذه المتناقضات – مثلاً - الذي كان حقيقةً صلباً إلى أبعد الحدود في مقابل الطغاة في نفس الوقت كان متواضعاً يخفض جناح الذل من الرحمة للمؤمنين، في مقابل الطاغي أسد هصور لا يستسلم على الإطلاق رغم كل شي لكن في مقابل المؤمنين رحيم، حتى المؤمن الذي يعتدي عليه يغفر ويتواضع له كأنه الجاني عليه, وقد رأيته مع أحد مقلديه أو تلميذ تلميذ تلميذ تلميذه يعتدي عليه في شيء والسيد يعتذر منه كأنه هو الجاني عليه.. إلى هذه الدرجة كما هو مذكور في صفات المؤمنين أيضاً.
شبكة مزن - وكيف كان يتعامل مع عائلته ؟
سماحة السيد مرتضى- أستطيع أن أعبر أنه كان يتعامل معنا ونحن صغار وحتى بعد أن كبرنا قليلاً كأب وكأخ وكصديق في الوقت نفسه وقلما يجتمع في الأب ذلك, فمن جهة الأب فهذا واضح لكن يتعامل معنا كصديق وكأخ حتى أنه يصادق أحفاده ومن هو في عمر السنة إلى درجة أنني رأيت الطفل كيف كان يحب السيد ليس لأنه جده بل لأنه يلاعبه حيث ينزل إلى مستواه، فالشاهد كان أباً وأخاً وصديقاً في الوقت نفسه وهناك ذكريات لطيفة لكني ذكرت ذلك لمجرد الإشارة, هذه الصفة من صفاته المهمة وهي صفة كل إنسان يريد التقدم في الواقع, لأنك تريد أن تصنع مجموعة من القيادات وأن تربي أمة, فلا تستطيع أن تربي أمة وأنت في الأعلى بل لابد أن تنزل إلى مستواهم حتى تستطيع أن ترتفع بهم شيئاً فشيئاً, هو كان هكذا, وهكذا كان السيد في تعامله في داخل المنزل الذي لم أر أحداً مثله حتى أني لا أفكر أن أصل إلى مستواه فأين الثريا وأين الثرى, رغم مسئولياته الجسام وأعماله الكثيرة وانشغالاته العديدة كان يشتغل في المطبخ، فكانت لديه يومياً مساهمة في الغداء وكثيراً أراه يفرم البصل وأحياناً كنت أقول له أنه يمكن أن تعلق رائحته فكان يقول ﴿أغسل يدي بعدين مو مشكلة﴾, وهكذا كان يصنع في العشاء، فنحن في البيت كنا نأكل لوناً واحداً من الطعام, وكان السيد الوالد هو الذي يتصدى له في الغالب، لذلك كان النساء في كثير من الأحيان يرين أنفسهن في حل منه، وقد رأينا السيد وخصوصاً هذه العشر سنين الأخيرة التزم بإعداد طعام العشاء مع العلم أن البيت مكتظ بالأولاد والأحفاد إلى عشرين شخص، وإذا بادر النساء لمنعه كان يقول:لا فأنا متكفل بالعشاء ويعده لعشرين شخصاً نساءً ورجالاً وأطفالاً ولمدة عشر سنوات تقريباً على ما أتذكر، وكان يصنع العشاء على الطريقة الثورية، بمعنى أنه لا يصرف وقتاً وبدون مبالغة، فخلال خمس أو عشر دقائق كالصاروخ وإذ به انتهى من إعداد الطعام وحقيقةً عشاء لذيذ.
فالشاهد كان يتعامل هكذا مع أسرته, ومن جهة أخرى كان يحاول أن يستنهض الهمم في روح أبنائه وبناته وأحفاده من عمر السنة وسنتين وثلاث حيث يكرس ويركز بعض المفاهيم فإحدى عاداته اليومية عندما نجتمع على سفرة الغداء فبعد الطعام كان يوجهنا إما بقصة أو رواية أو حديث وأحياناً تستمر حتى نصف ساعة يومياً مع شدة الضغوط المرجعية والأعمال الإدارية والضغوط السياسية وغير ذلك, وكما تعلمون كان نشطاً في مختلف الحقول ويومياً هذا برنامجه وقد تعلمنا هذا منه فأنا شخصياً هكذا أفعل على الغداء وأراها أفضل فرصة حتى قليلاً نتحدث مع الأطفال حتى أن اليوم الذي لا نتحدث فيه يحس الأطفال بفراغ والنقيصة وما أشبه ذلك والحديث في هذا الحقل طويل .
شبكة مزن - بقي تساؤل حول سماحة المرجع آية الله العظمى السيد صادق حفظه الله، فما هي في نظركم أبرز المعالم العلمية والاجتماعية في حياته ؟
سماحة السيد مرتضى- بشكل مختصر أيضاً, في الواقع السيد صادق حفظه الله تعالى يمتاز بعدة مميزات وهي مهمة إلى أبعد الحدود منها:-
الجانب الأول: الحكمة
رجل حكيم إلى أبعد الحدود وقد لمست ذلك منه طوال معاشرتي العملية له، لذلك كان الوالد رضوان الله تعالى عليه يركن إليه في الملمات الفكرية وغير الفكرية, العلمية وغير العلمية, وألاحظ مراراً عديدة في الجانب العلمي وفي الجوانب الأخرى كالجانب الاجتماعي وغيرها وخصوصاً القضايا الإستراتيجية كان الوالد يركن إلى رأيه بشكل جيد وكان يثق به ثقة حقيقة أستطيع أعبر عنها بثقة مطلقة لرجاحة عقله وحكمته ودقة نظره وصوابيته أيضاً، وقد رأيت الوالد في مواطن عديدة في التداول العلمي وغير العلمي كان يطلب السيد صادق ويتناقش معه حول رأي معين وأحياناً يطول النقاش من الصباح إلى الليل باستعراض الأدلة وكثيراً ما كان الوالد يرجع إلى رأي السيد صادق وهذا يكشف جانب الحكمة من جهة والجانب السياسي والاجتماعي وغير ذلك.
الجانب الثاني: التثبت العلمي
فقد كان يتحلى بالتثبت العلمي أوما يسمى في المنطق بطريقة السبر والتقسيم والاستقراء التام، وعلى سبيل المثال في شرح العروة الوثقى وربما الآن وصلت أربعين مجلداً وإذا يكّمل بنفس هذه المنهجية قد تصل موسوعته إلى خمسمائة مجلد إذا الله يعطيه مزيد من العمر والصحة والعافية, وإذا تلاحظون المجلد الأول الاجتهاد والتقليد كيف هو مثبت وكيف يتبع برهان السبر والتقسيم والاستقراء وعلى هذا التعبير أحد أساتذة الخارج كان قادم لزيارتنا في المدينة المنورة كان يقول (لقد لاحظت كتاب الاجتهاد والتقليد وكم أخذني وشدني أن السيد صادق يتوقف عند كل مسألة) بمعنى يقف عند المسألة ويعطيها حقها من الشرح ولا يتجاوزها ويتناول الجوانب المختلفة بكل دقة ويشرحها جيداً رغم أن هذا الكتاب قبل أكثر من خمسة وعشرين سنة0
الجانب الثالث: الارتباط بالله عز وجل
شدة الارتباط بالله سبحانه وتعالى تتجلى في مواطن كثيرة منها رضاؤه بالقضاء وصبره على البلاء وقد رأيت مواقف غريبة في صبره على البلاء ورضاه بقضاء الله سبحانه وتعالى, وعندما نحاول أن نلقن أنفسنا الصبر على البلاء والرضا بالقضاء نرى النموذج المجسد هو السيد صادق وهناك قصص كثيرة في هذا الجانب0
وهناك مواصفات أخرى كثيرة من جملتها تواصله مع مختلف العلماء واعترافهم بفضيلته وأخلاقه وبتقواه وعلمه وهذه نقطة جداً مهمة في الجانب الاجتماعي، فهو مازال يتواصل مع العلماء والحوزات العلمية ويتواصلون معه وبدائرة جداً واسعة.
جزاكم الله خيراَ وأحسنتم
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين