نحو ثقافة قرآنية 17
عوامل انتصار المسلمين في معركة بدر
قراءة في سورة الأنفال
للانتصار عوامل وللهزيمة عوامل، ومن روعة الخطاب القرآني أنّه حين يقرأ الأحداث لا يعرضها بوصفها تاريخاً وأحداثاً جرت، بمقدار ما يسعى لاستخلاص العبر والفوائد منها في المسيرة الإنسانية؛ لتكون رافد عطاء لا حدثاً ماضوياً حصل وانتهى.
ومن ثمّ يقرّر القرآن الكريم كيف يعرض الأحداث، كما يقرّر المقاطع التي سينتخبها وينتزعها؛ ليسلّط عليها الضوء.
وفي السابع عشر من شهر رمضان المبارك في السنة الثانية للهجرة النبوية الشريفة وقعت معركة بدر الكبرى التي لم تكن أول لقاء عسكري بين المسلمين وكفار قريش، ولكنّها كانت أول لقاء كبير يتمّ بينهما(1)، وقد نزلت سورة الأنفال في معركة بدر وتعليقاً على ما حصل فيها، فسلّطت الأضواء على تلك المعركة الخالدة، التي سمّاها القرآن الكريم (يوم الفرقان): ﴿.... إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾(2).
فهو "يوم الفرقان..، لا في الدنيا وحدها، ولا في التاريخ البشري على الأرض وحدها، ولكن - كذلك - في الآخرة في الأبد الطويل"(3).
ومن أهمّ الأمور التي كثّفت سورة الأنفال الدراسة عليها عوامل النصر؛ فما سبب انتصار المسلمين - وهم قلة - في تلك المعركة؟!
وهذا السؤال التحليلي يعرضه القرآن الكريم لا لمجرّد الوصف والمعرفة، وإنّما لكي يوطّن المسلمون في زمان النبي الأكرم ومن يأتي بعدهم إلى آخر الدهر تلك العوامل في بنيتهم القيمية والاجتماعية والسياسية والعسكرية؛ حتى يحافظوا على عنصر التفوق، وتكون لهم القوة والغلبة.
ومن أهمّ عوامل الانتصار تلك:
1- التأييد الإلهي (الإمداد الغيبي):
فالقرآن - وهو كتاب الهداية والإيمان - يرى أنّ أهمّ عامل للنصر هو الارتباط بالله تعالى، وعمق العلاقة بالله، وابتغاء مرضاته ووجهه الكريم، فالمسلمون - وهم أهل عقيدة توحيد - كان عامل العلاقة بالله هو أهمّ عنصر لانتصارهم العظيم الساحق ذاك: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾(4)، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ﴾(5).
ومن ثمّ أغدق الله - سبحانه وتعالى – على المسلمين في بدر صروف التأييد والمدد الغيبي، وجعل أمور الغيب وأمور الشهود وأمور التكوين والطبيعة تتضافر معاً لصالحهم، وتصبّ في نفعهم.
ومن أنواع التأييد في هذه المعركة:
أ- النعاس:
خرج المسلمون لملاقاة قافلة قريش التجارية (العير)، فواجهوا جيشهم الصاخب (النفير) على غير استعداد عسكري ونفسي، فكان الخوف مسيطراً على الأغلبية الساحقة منهم، وكانوا بحاجة إلى عنصر يهبهم الاطمئنان النفسي، فتدخلت يد الغيب الإلهي لتمسح على أعين هؤلاء المرهقين، وتهدهد قلوبهم الخائفة؛ فتغدق عليهم نعمة النوم وما يبعثه من استقرار وسكينة: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ﴾(6).
لقد عمل الإيمان فيهم عمله، فبرّد لهيب الأفئدة الخائفة؛ فمالت إلى النعاس، وأخلدت إلى قرير النوم وسكن الراحة؛ فاستراحت الأعصاب المشدودة المتوترة، والأجسام المنهكة المتعبة، واستقرّت النفوس الهلعة الذعرة، فنالت الأمن والراحة، واستعدت لمعركة حاسمة في اليوم التالي(7).
يقول الإمام علي : "ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد بن الأسود، ولقد رأيتُنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قائماً إلى شجرة يصلي ويدعو حتى الصبح"(8).
ب - المطر:
وأقبلت قريش بجلبتها وضجيجها، فنزلت بالعدوة القصوى في (يليل) خلف كثيب العقنقل وبطن الوادي؛ فكانوا الأقرب إلى مكة، وكانوا في أرض طينية صلبة تعينهم على المعركة.
ونزل الرسول في (القُلُب) في العدوة الدنيا من بطن يليل؛ فكانوا شمال المدينة المنورة، والأقرب لها، وكان الوادي رملاً دهساً يصعب على المسلمين القتال فيه!!
لكنّ مَن بيده أزمّة أمور التكوين لا يخذل عباده المخلصين، فتدخلت مشيئته وحكمته، وبعث السماء؛ فهطل المطر، فأصاب رسول الله منها ما لبّد لهم الأرض، وجعلها خشنة ثابتة، ولم يمنعهم المسير، بل أتاح لهم القدرة على الحركة والانتقال، وأصاب المطرُ نفسُه قريشاً؛ فحوّل أرضهم إلى طين لزج تتعكر معه الحركة، مما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه(9)، وتلك قدرة الله التي تجعل الأمر الواحد - كالمطر - ذا مفعولين متغايرين!!
يقول الله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ﴾(10).
وهكذا حقق المطر للمسلمين أربعة أمور:
- فهو ماء صالح للشرب والرّي، وطرد الظمأ والعطش.
- وهو عنصر طهارة ونقاء، لاسيما لأولئك الذين أصابهم ما يصيب الرجال حين ناموا(11).
- وهو بشارة تهب القلب الطمأنينة بالتأييد الرّباني.
- وهو عنصر حيوي عسكري، قلب موازين المعركة، فثبّت أقدام المسلمين فيها، حين حوّل تلك الأرض الرملية التي تغوص فيها الأرجل، وتصعب الحركة والمناورة؛ إلى أرض ذات جهوزية عالية.
ج - الملائكة:
والمعركة أمر شهودي يجري بين متقاتلين من بني البشر، بيد أنّ العلاقة بالله تُدخل شيئاً من عالم الغيب ضمن عناصر التأثير في المعركة، ومن ذلك الملائكة التي تنتمي إلى عالم غير العالم الإنساني، لكنّ الله المسيطر على دائرة الكون والوجود يربط بين العوالم لتأييد جنده ودينه، لاسيما وهم قلة ضعيفة: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * .... * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾(12).
فقد رحم الله ضراعة المؤمنين واستغاثتهم، وأنزل عليهم الملائكة تساعدهم في المعركة، وهذا بدوره يدلل على أثر الأمور التشريعية ـ كالتضرع إلى الله ـ في أنزال الرحمة والإمداد الغيبي، مما يوصل بين عالمي التشريع والغيب.
وجملة ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ﴾ تفيد أمرين هامين:
أولهما: أنّ إرسال الملائكة في المعركة ليس بديلاً وتغييباً للدور الإنساني، وإنّما هو دعم ومساندة.
وثانيهما: أنّ السبب الحقيقي للنصر هو الفعل الإلهي، لا الملائكة، ولا الفعل البشري، مع أنّ هذه معاً عناصر متكاملة متشابكة لا يلغي أحدها الآخر.
د- تقليل المسلمين والكافرين:
فقد رأى الرسول الأكرم في عالم الرؤيا جيش مكة قليلاً، ثمّ لما تواجه الجيشان في مكان واحد رأى المسلمون - عياناً وفي عالم الواقع - جيش مكة قليل العدد.
وكذلك رأى كفار مكة المسلمين قلة يسيرة، ثمّ بعث كفار قريش عميرَ بن وهب الجمحي فقالوا له: احزر لنا أصحاب محمد، فجال بفرسه حول العسكر، ثمّ رجع إليهم وقال: "هم ثلاث مئة رجل، يزيدون قليلاً أو ينقصونه، ولكن أمهلوني حتى أنظر أللقوم كمين أم مدد؟، فضرب في الوادي ثمّ رجع إليهم وقال: ما رأيتُ شيئاً، ولكنّي قد رأيتُ - يا معشر قريش - الولايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم"(13).
فالرسول والمسلمون من طرف، وكفار مكة من طرف آخر: كلّ منهم رأى الآخر قليل العدد، فما الفائدة في ذلك إذاً؟!
الفائدة تكمن في الأثر النفسي لذلك الصنيع الرّباني: فقد شجّع المسلمين لخوض غمار الحرب، وشحذ هممهم، وقوّى نفوسهم، وأغرى الأعداء، فزرع في قلوبهم الاستهانة والاستهتار، والاستخفاف بالمسلمين؛ مما حدا بهم إلى الغرور الذي أودى بهم إلى الضعف، فكان وبالاً عليهم: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ﴾(14).
هـ - الرعب (الحرب النفسية):
كما أعمل الله عنصر الرعب والحرب النفسية في قلوب الأعداء؛ لتنهش في نفوسهم، وتفتّ شوكتهم، وتدفعهم نحو الهزيمة النفسية الداخلية قبل العسكرية الخارجية، فأوحى الله إلى ملائكته التي أسهمت في المعركة وإلى نبيه الأكرم : ﴿سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ﴾(15).
وكانت بدايات تلك الحرب النفسية قد بدأت قبل التقاء الطرفين في أرض المعركة، حين رأت عاتكة بنت عبد المطلب في الحلم أنّ راكباً أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح، ثمّ صرخ بأعلى صوته: "أن انفروا ـ يا آل غُدَر ـ لمصارعكم في ثلاث"، فلما اجتمع الناس له دخل المسجد والناس يتبعونه، فمثُل ببعيره فوق الكعبة، ثمّ صرخ بأعلى صوته ثانية: "أن انفروا ـ يا آل غُدَر ـ لمصارعكم في ثلاث"، ثمّ مثُل به بعيره على رأس جبل أبي قبيس، فصرخ بمثلها، ثمّ أخذ صخرة فأرسلها، فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضّت فما بقي بيت من بيوت مكة، ولا دار من دورها إلا دخلت منها فلقة، ففشا أمر الرؤيا في قريش، وفي اليوم الثالث من هذه الرؤيا دخل ضمضم بن عمرو الغفاري مكة وهو يصرخ ببطن الوادي - واقفاً على بعيره قد جدع أنفه، وحوّل رحله، وشقّ قميصه - وهو يقول: "يا معشر قريش، اللطيمة.. اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أنّكم تدركونها، الغوث.. الغوث"(16).
ثمّ أكمل الله ذلك حين خروج قريش للمعركة؛ حتى أنّ الرسول "أرسل عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود، فأطافا بالقوم، ثمّ رجعا إلى النبي ، فقالا: يا رسول الله، القوم مذعورون فزعون، إنّ الفرس ليريد أن يصهل فيُضرب وجهُه، مع أنّ السماء تسحّ عليهم"(17).
وطرف هذا النصّ التاريخي، يوضّح مدى ذعر الأعداء بطريقتين: أولاهما: التصريح بكونهم مذعورين فزعين، والثانية: بمدى لطمهم الخيل حتى لا يصهل؛ خوفاً من وصول صوته للمسلمين، وهي كناية عن غاية الذعر والرهبة، والرغبة في التخفي.
و- التراب:
ومن عناصر التأييد الإلهي التي حصلت قبيل المعركة أن أخذ الرسول الأكرم حفنة من الحصباء (الحصى)، فاستقبل بها قريشاً، ثمّ قال: "شاهت الوجوه"، ثمّ نفحهم بها، فدخل غبارها في عيونهم، وقال لأصحابه: شدوا، فكانت هزيمة الأعداء(18).
وإلى هذا يشير قوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(19).
2- طاعة القيادة:
وإذا كان ما سبق يدور حول التأييد الإلهي لجنده، فإنّ هناك عاملاً آخر من عوامل الانتصار يكمن في طاعة القيادة الرشيدة، فتماسُك قوى الجيش وطاعته للقائد الخبير الحكيم تسهم بشكل فعّال في اجتماع الرأي ووحدة الكلمة ونجاح المخطط الحربي.
والرسول الأكرم في الرؤية الدينية لا يمثل مجرّد قائد رشيد، وإنّما فوق ذلك هو نبي موحى إليه، وواجب الطاعة على المسلمين؛ الأمر الذي دأبت الآيات الشريفة على غرس أشجاره في قلوب المسلمين ونفوسهم:
- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ﴾(20).
- ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾(21).
- ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾(22).
ومن الكلمات التي تنضح بعبق الولاء والطاعة للنبي الأكرم كلمة المقداد بن عمرو التي قالها وجيش الأعداء مزدحم الصفوف، مدجّج بالسلاح، حين التفت إلى الرسول وقال: "يا رسول الله، امض ِ لما أمركَ الله، فنحن معكَ، والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾(23)، ولكن اذهب أنت وربكَ فقاتلا إنّا معكما مقاتلون، فوالذي بعثكَ بالحقّ لو سرتَ بنا برك الغِماد - يعني الحبشة - لجالدنا معكَ مَنْ دونه حتى تبلغه"(24).
ولأنّ الأنصار حين بايعت الرسول في بيعة العقبة قالت: "يا رسول الله، إنا برآء من ذمامكَ حتى تصل إلى دارنا، فإذا وصلتَ إلينا فأنت في ذمامنا، نمنعكَ مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا"، لذلك أحبّ الرسول أن يستطلع رأيّهم في هذه الحرب التي ستجري أحداثها خارج المدينة، فقال : "أشيروا عليّ"، فقال سعد بن معاذ: "والله، لكأنكَ تريدنا يا رسول الله"، فقال الرسول: "أجل"، فقال سعد: "فقد آمنا بكَ، وصدّقناكَ، وشهدنا أنّ ما جئتَ به هو الحقّ، وأعطيناكَ على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض ِ - يا رسول الله - لما أردتَ، فوالذي بعثكَ بالحقّ، إن استعرضتَ بنا هذا البحر فخضته لخضناه معكَ ما تخلّف منّا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوّنا غداً، إنا لصُبَّر عند الحرب، صُدَّق عند اللقاء، لعلّ الله يريكَ منّا ما تقرّ به عينُكَ، فسر بنا على بركة الله"(25).
وهكذا انطلقت الكلمة الثانية التي تصدح عالياً بالولاء والطاعة للقيادة الرّبانية.
3- المعنويات المرتفعة:
ومن عوامل النصر في معركة بدر الكبرى تلك المعنويات العالية التي تحلّى بها المسلمون: فقد عمر الاطمئنان والسكينة قلوبهم، فزال الخوف والرعب: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ﴾(26)، وغمر قلوبهم ومواقفهم الثبات والجلد: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾(27)، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ﴾(28).
ومن أبرز ما يرسم تلك المعنويات العالية أنّه لما حميت المعركة، واشتد حمى الوطيس؛ خرج النبي مشجّعاً للمسلمين، محرّضاً لهم على القتال، فقال: "والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيُقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة"، فسمعه عُمير بن الحُمام - أخو بني سلمة - وكان في يده تمرات يأكلهنّ، فقال: "بخ ٍ.. بخ ٍ، فما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء"، ثمّ قذف التمرات من يده، وأخذ سيفه، وهبّ للقتال وهو يرتجز ويقول:
إلا التقى وعمل ِ المعادِ ركضاً إلى اللهِ بغيرِ زادِ
وكلّ زادٍ عُرضة النفادِ والصبرِ في اللهِ على الجهادِ
غير التقى والبرِّ والرشادِ فقاتل القوم ببسالة حتى قُتل(29).
وتحلّي المسلمين بالمعنويات المرتفعة عنصر يقابل عنصر الهزيمة النفسية الذي خيّم بجناحه الحالك على قلوب الأعداء.
ومن المعنويات العالية: الثبات والاستقامة والصبر:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ﴾(30)، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ﴾(31)، ﴿وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾(32)، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ * الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾(33).
والوصف بالصبر الوارد في الآيتين الأخيرتين: ﴿عِشْرُونَ صَابِرُونَ﴾، ﴿مِّئَةٌ صَابِرَةٌ﴾، ليس مجرّد صفة أخلاقية تكميلية يعرضها القرآن الكريم، وإنّما هي صفة أساسية مركزية في تحقيق النصر، لاسيما حين نعلم قسوة الحروب وحاجتها إلى ذلك، وحين نقرأ أثره البليغ في معركة بدر، والأثر المباين الذي تركه عدم تحلّي المسلمين به في معركة أحد.
4- عظمة الهدف والتطلع:
وعظمة الهدف الذي يبتغيه المسلمون في الحرب حين يضعونه نصب أعينهم وهم يقاتلون، فسوف يبعث فيهم الهمة العليا للقتال، إنّهم يقاتلون لأجل الله وإحقاق الحقّ ومحو الباطل: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾(34).
وهذا الهدف العظيم يجعلهم يتعالون على الانشغالات الجزئية والجانبية حتى لا تفتّ في عضد الهدف الكبير: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾(35).
إنّ حبّ الإنسان لأولاده أمر فطري أصيل لا يمانع منه الدين، لكنّ هذا الميل الفطري إن شُرع المجال له في الحرب بما يحيل المقاتل إلى شخص عاطفي يستعر في داخله أوار الحنين والرغبة في لقيا الأولاد والعودة إليهم، فسوف يكون مشلاً لحركته في المعركة، وعدم تفانيه في القتال.
فهذا الحبّ الفطري - وهو أمر هامّ وسام - يقف الآن في مقابل أمر أهمّ وأسمى هو الله سبحانه، ونصرة دينه، وهذا يستدعي السيطرة على مستوى الحنين الفطري؛ لئلا يتفجّر فيكون سيلاً مغرقاً لصاحبه الذي سيتيه في دوامة العاطفة والتذكر والعشق لأولاده، فيكون ساهماً عن متطلبات المعركة والمواجهة بما تستدعيه من حضور روحي ونفسي وعقلي وعملي في منتهى العمق.
وبعبارة أخرى، فهو نمط من (الإعلاء) يتمّ فيه الارتقاء بالعاطفة المشبوبة من الوِلد إلى الله والدين، أو هو - على الأقل - نمط من (التحويل) لمسار تلك العاطفة إلى الله، أو لا أقل نمط من التغلب الحيني الآني على تلك العاطفة الجامحة لوجود ضرورة ملحة.
ولا نريد أن نقول: إنّ هذه الأنماط الثلاثة ترد بمعنى واحد، وإنّما هي مستويات ثلاثة مختلفة تنازلية للمستوى الذي يحتلّه حبّ الله في قلب المؤمن، ومستوى مغالبته لألوان الحبّ الأخرى التي تتخذ لها مكاناً في قلبه.
5- الوحدة (تماسُك الجبهة الداخلية):
فتماسُك الجيش ووحدته تحت كلمة واحدة وراية واحدة وقيادة واحدة أحد عناصر نجاحه في حربه ضد العدو، حتى تسري القرارات بشكل واحد بين أفراده، ولا يتمّ خرقها أو تركها من قبل بعض مَن ينطوي تحت رايته؛ فيكون المنفذ لدخول العدو، أو يكون منطقة الضعف التي منها يؤتى، الأمر الذي فعله المسلمون في معركة أحد، فنزلوا من على الجبل، فذاقوا طعم الهزيمة المرّ!!
ولأجل إشادة بناء الوحدة المتماسك أمر الله المسلمين في غزوة بدر بخلع جلباب التنازع عن ظهورهم، والتوحّد تحت لواء واحد: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾(36).
إنّ اشتعال نار الخلافات الداخلية في المعركة يؤدي إلى تخلخل الجبهة الداخلية وتفككها، وذاك يُنتج الفشل في المعركة ﴿فَتَفْشَلُواْ﴾، وتفتت القوة وتشظيها ﴿وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾؛ لأنّ النزاع - من جهة - يضعف الإرادة، ويبعث الوهن في النفس، ويسبّب فشل القلب وتوانيه وذهاب الهمة والتطلع عنه، ومن جهة ثانية، يُذهب القوة والكرامة والعزة والهيبة، وبالتالي يدمّر كلُّ فريق شخصية الفريق الثاني، ومَن تحطمت شخصيته وهانت نفسه عليه؛ فإنّه لا يحارب عدوّه، ولا يرى نفسه كفوءاً للصراع مع منافسيه(37).
فمن أعظم النعم التي أسبغها الله على المسلمين في بدر هي التغلّب على الفتن الداخلية وتجاوزها بما زرعه في نفوسهم من ألفة ومحبة: ﴿وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾(38).
6- الكفاءة القتالية العالية:
لقد كان عدد المسلمين في المعركة قليلاً لا يتجاوز الـ 313 شخصاً، ولم يكن لديهم إلا 70 جملاً يتعاقبون على ركوبها، ولم يكن لديهم إلا فارس واحد هو المقداد بن الأسود الكندي، وإذا زيد في عدد فرسانهم قيل: ثلاثة، ثانيهم الزبير بن العوام، وثالثهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي.
وعلى الجبهة المقابلة كان العدوّ يبلغ الـ 950 شخصاً، ولديه 700 بعير، و100 فرس!!
لكنّ المسلمين - قيادة وجيشاً - أظهروا كفاءة قتالية عالية جعلت ميزان القوة في المعركة يميل لصالحهم، فقد انجلت المعركة عن 70 قتيلاً و70 أسيراً في صفوف قريش، ولم يُستشهد من المسلمين إلا 14 شخصاً(39).
لقد أمر الله المسلمين أن يوفروا في أنفسهم أقوى طاقة وقدرة من الاستعداد، فقال: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾(40).
وترك جملة ﴿مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾ مفتوحة تشمل كلّ عناصر القوة: القيمية والاجتماعية والثقافية والسياسية والعسكرية و....، وتشمل كلّ أنواع القوة العسكرية والتقانات الحربية، وبذلك رصف الطريق للمسلمين ليكونوا على أهبّة الاستعداد لتوفير أقصى أداء وسبل ووسائل وإمكانيات ممكنة، ولا يعتمدوا على عنصر الغيب والعلاقة الروحية بالله وحدهما.
كما أنّ جملة ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾ توضّح أهمية عنصر الردع في الحرب (سياسة الردع)، (سياسة توازن الرعب)، وبلوغ القوة مستوى بحيث لا يخيف قوة الأعداء في جبهة القتال فحسب، بل.. والذين خلفها من جنودها خارج الجبهة، ولا يكفي ذلك، بل.. ويخيف أتباعها الموجودين ضمن بنية المجتمع المسلم، سواء أكانوا منافقين أو جواسيس أو متمصلحين أو غير ذلك..
فعنصر الردع يمتدّ لثلاث جهات:
- العدوّ في المعركة وجبهة القتال.
- أتباع العدوّ خارج المعركة وجبهة القتال.
- أتباع العدوّ الموجودين ضمن بنية الجسد المسلم.
وقد تجلت ملامح الكفاءة القتالية لدى المسلمين في أمور كثيرة، منها:
أ- القدرة الاستطلاعية:
فقد بعث النبي جماعة من أصحابه - قبل أن يعلموا بخروج جيش الأعداء لحربهم -، لماء بدر، فورد الماء بعض روايا قريش، فأمسك المسلمون بغلامين منهم، وأقبلوا بهما نحو النبي وكان يصلّي، فسألوهما عن أبي سفيان وقافلته، فحدثاهم عن قريش وجيشها، فكان العبد إذا أخبرهم عن قدوم قريش ضربوه وكذبوه، وإذا حدثهم عن قافلة أبي سفيان وقربها منهم تركوه، فانفتل النبي من صلاته وقال: "إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما، صدقا ـ والله ـ إنّهما لقريش"، ثمّ دعا النبي الغلامين وسألهما: أين قريش؟، فأجابا: هم وراء الكثيب الذي ترى، فسألهما: كم القوم؟، فقالا: كثير، قال: ما عدتهم؟، فقالا: لا ندري، قال: كم ينحرون كلّ يوم؟، فأجابا: يوماً تسعاً، ويوماً عشراً، فقال النبي : "القوم ما بين التسع مئة إلى الألف"(41).
وهكذا قادت حنكة القائد الفذّ وخبرته إلى معرفة عدد جيش قريش؛ عبر معرفة عدد الإبل التي ينحرونها.
ب - الاستشارة والاستفادة من الخبرات القتالية:
ومع أنّ النبي محمد رسول موحى إليه ومسدّد من الله تعالى إلا أنّه كان يشاور أصحابه، ويستفيد من خبراتهم القتالية، ويطبّقها ويعمل بها.
وقد جاءه الحُباب بن المنذر بن الجموح فقال: يا رسول الله، أرأيتَ هذا المنزل، أمنزل أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدّمه ولا نتأخره، أم هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال : بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال: يا رسول الله، فإنّ هذا ليس لك بمنزل، فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماءٍ من القوم فتنزله، ثمّ تغوّر ما سواه من القُلُب، ثمّ تبني عليه حوضاً فتملأه ماء، ثمّ نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال الرسول : "لقد أشرتَ بالرأي"، فنهض ومَن معه مِن الناس حتى أتى أدنى ماءٍ من القوم فنزل عليه، ثمّ أمر بالقُلُب فغوِّرت، وبنى حوضاً على القليب الذي نزل عليه، فمُلىء ماء، ثمّ قذفوا فيه الآنية(42).
ج - السيطرة على شريان القوة:
فقد بادر الرسول المشركين بالانطلاق نحو ماء بدر، وخيّم المسلمون هناك(43)، في حركة استباقية تجعلهم قريبين من الماء الذي كان يُعدّ - وفق مقاييس ذاك الزمان - أحد أهمّ شرايين القوة، ومصدر استمداد لمؤونة ضرورية للحياة، لاسيما مع لهب القيظ وحرارة الشمس وجهد الحرب.
د - تحديد موقع المعركة:
كما يتضمن النصّان السابقان أنّ الرسول والمسلمين هم الذين حددوا موقع المعركة حين ساروا نحو تلك الآبار، وأهمّها بئر (بدر) الذي سُمّي المكان والمعركة باسمه، وألجؤوا جيش مكة على موافاتهم في ذلك المكان، وقد أعد المسلمون ذلك المكان بما يناسبهم: سيطرة على الماء، وتغويراً للآبار الأخرى، فوجد المشركون أنفسهم في مكان لم يحتاطوا له بما يناسب خوض معركة وقتال.