دقيقة تأمل

أ . بدر الشبيب *

دقيقة تأمل

الأستاذ/ بدر الشبيب 
7-12-2015

يتساءل أحد المهتمين بالكتاب: لماذا تكثر في كتبنا وإصداراتنا العربية الأخطاء بمختلف أشكالها من إملائية ونحوية وصرفية ومطبعية وغيرها، مما يستدعي إضافة تصحيحات في آخر الكتاب لما حدث من سهو القلم أو الكاتب أو المطبعة؟ ويضيف صاحبنا مُقارناً حالنا بحال الخواجات بأنه لم يصادف في حياته الدراسية في الولايات المتحدة الأمريكية كتابا واحدا باللغة الإنجليزية به صفحة تصحيحات. 

وتحت عنوان (الأخطاء المطبعية) يتحدث الشيخ محمد جواد مغنية في تفسيره (الكاشف) عن تجاربه معها، فيقول: لا أذكر أني قرأت كتابا أخرجته المطابع قديما وحديثا، دون أن أجد فيه أغلاطا مطبعية، وأحسب أني لن أقرأ كتابا يخلو منها، و حرصت جاهدا أن أتجنبها في مؤلفاتي فلم أفلح .. وكنت من قبل لا أطيق أن أرى شيئا منها في كتاب أو مقال، ثم ألفتها بالتتابع والتكرار .. 

فلماذا يحدث هذا؟

في واقع الأمر المسألة لا تقتصر في حياتنا العملية على أخطاء الكتب، وإنما هي أعم من ذلك بكثير لتشمل كافة مناحي الحياة. إذ تقوم أعمالنا ومشاريعنا في الغالب على الأداء غير المتقن، فلا يُعتنى بالجودة إلا في حدودها الدنيا. نحن نكتفي حتى في أمورنا العبادية بالأداء المتواضع الذي نشعر معه بأننا قد امتثلنا للواجب الكذائي وأنه قد خرج من عهدة التكليف بعد قيامنا به. وهو مما يجعلنا لا نشعر بعمق العبادة ولذتها وحاجتنا لها، فالأداء الميكانيكي لا يمس شغاف القلب أبدا.

عندما نقف على الآثار الفكرية والتاريخية للأولين أيام الازدهار الحضاري في عالمنا الإسلامي، فإن الدهشة تنتابنا لدقة العمل وإتقان تفاصيله الصغرى. أما اليوم فعبارة (مشي حالك) الدارجة على الألسن تعكس مرارة الواقع وبؤسه.

من يتأمل في آيات الكتاب المجيد، سيجد تركيزا كبيرا على فعل الله التام وصنعه المتقن. نذكر هنا بعض الآيات الشريفة: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ) (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) (كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ). هذه بعض الآيات في التمام، أما في الإتقان فيكفينا قوله تعالى: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ). 

إن سر تقدم الحضارة الغربية اليوم على المستوى العلمي والتقني يكمن فيما يوليه أصحابها من اهتمام وعناية بالتمام والإتقان في الإنتاج. أما نصيبنا نحن المأمورين بالتخلق بأخلاق الله من هاتين المفردتين فظاهر لا يحتاج إلى أدنى عناء لاكتشافه.

أديب وكاتب وباحث في علوم اهل البيت عليهم السلام