لتخطيط للاقتصاد ينبغي أن يقوم على الاحتمالات المستقبلية

بين الأزمة وسؤال متى ينضب النفط؟

ناصر موسى الحسين *

حالة سخط تعمّ الغالبية في المجتمع الخليجي نتيجة التراجع في الأداء الاقتصادي،وهي حالة طبيعية ولها مبرراتها وتستحق التأمل والسعي الجاد في معالجة أسبابها.

تحضر في أحاديثنا - ونحن نناقش ما يجري- نماذج كثيرة ومتنوعة في مجال النمو الاقتصادي، فماليزيا وسنغافورة وسويسرا والنرويج وغيرها استطاعت أن تبني اقتصاداتها بشكل نموذجي نال إعجاب الجميع، وبإمكان أيّ منّا أن يطّلع بضغطة زرّ على هذه التجارب، وكيف حققت هذه الدول ما يشبه المعجزة أحياناً، بينما بقينا نراوح مكاننا، نتساءل: هل ينضب النفط ومتى؟ وجادلنا في ذلك كثيراً، ومررنا بأزمات مثل أزمة هبوط أسعار النفط في منتصف الثمانينيات، في المرحلة الماضية غاب التخطيط.

الحاضر الوحيد مجرد توصيات اعتاد على صياغتها القائمون على المؤتمرات والندوات، أو تضمنتها الدراسات التي تناولت الأوضاع الاقتصادية في دول المنطقة، حيث دعت تلك التوصيات إلى الاهتمام بالصناعة والخدمات والسياحة كبدائل مهمة يمكن لدول المجلس أن تتوكأ عليها تدريجياً حتى الوصول إلى حد الاعتماد عليها بشكل كبير.

ورغم الدعوات المتكررة محلياً ودولياً، غير أنها لم تتزاوج مع الواقع تأسّياً بدول أخرى مثل النرويج، تلك الدولة النفطية التي ظلت بعيدة عن تأثيرات الهبوط في الأسعار بسبب تنوع اقتصادها.

لقد انقضت سنوات الطفرة، وكانت مجرد «طفرة نفطية» خلافاً لما يطلق عليها البعض «طفرة اقتصادية»، هي ليست كذلك لسببين: الأول: أنه لا يوجد اقتصاد طافر بهذا المعنى.. فالاقتصادات تنمو ولا تقفز.
والثاني لأننا نشاهد ونلمس بأنفسنا أن اقتصاداتنا لم تتغير كثيراً، فهي ما زالت تعتمد على بيع النفط، وحان الوقت لمبادرة تقوم على ثلاثة مبادئ أساسية:
أولا: القيمة الاجتماعية للاقتصاد، فبين الاقتصاد والاجتماع علاقة عضوية لا يمكن انفكاكها، فلا مجتمع دون اقتصاد ولا اقتصاد دون مجتمع.

وإذا كان الأمر كذلك فإن أي معالجة للواقع الحالي تحتاج أن تأخذ بعين الاعتبار الواقع الاجتماعي باعتباره قاعدة تنطلق منها رؤوس الأموال، وتتولى هذه القاعدة تنفيذ جميع العمليات الاقتصادية، بدءاً من التخطيط، مروراً بالتشغيل ولا تنتهي عند البيع والشراء.

ثانياً: التعليم كقاعدة للنمو، فالعالم المتقدم اكتشف مبكراً أن النمو لا يأتي إلا من بوابة الاهتمام بالعلم، فسخّر جل اهتماماته لهذا الجانب، والنماذج في هذا الجانب ماثلة ولا تحتاج إلى إشارة.

ثالثاً: النظرة البعيدة، فالتخطيط للاقتصاد ينبغي أن يقوم على الاحتمالات المستقبلية.

صحيح أن التخطيط المستقبلي يكون صعباً للتداخل والتعقيد الكبير الذي يتميز به الاقتصاد وارتباطه بعوامل كثيرة مؤثرة، لكنها مهمة ممكنة، وفي أسوأ التقديرات فإن النتيجة ستحقق أقل الخسائر.

خلاصة القول: إن كل ما قيل عن هذا التراجع في الأداء الاقتصادي غاب فيه التركيز على نقطتين مهمتين، هما: جذر المشكلة والواجب نحوها، وحلت مكانها لغة التوجع والاتهام.

إن الوقت - رغم قساوة الظرف - ليس لتبادل الاتهامات بين الأجهزة الاقتصادية ولا بين المجتمع والدولة وإنما هناك ضرورة للدفع نحو معالجة عاقلة للوضع الاقتصادي بما يضمن صموداً مستقبلياً أمام أي تقلبات تواجهنا في أسعار النفط أو غيرها من المواد المؤثرة في الاقتصاد الخليجي.

نحن بالفعل بحاجة إلى خطوات جادة على طريق الإصلاح، تبدأ من التعليم وزرع ثقافة الإنتاج بدلاً من الاستهلاك، وإعادة هيكلة الاقتصاد ليقوم على التنويع الاقتصادي.
 

كاتب وصحفي سعودي