هل تدفعنا أزمة النفط للسياحة؟
فتحت أزمة النفط ملفات متنوعة يقع بعضها ضمن دائرة الأسباب التي أدت إلى هذه الأزمة، وبعضها في دائرة الآثار، بينما هناك ملفات تتعلق بالبدائل التي يمكن أن تقلل من هذه الآثار، ومن أبرز أمثلة هذه الأخيرة ملف السياحة، التي تتفاوت نجاحاتها خليجياً من دولة إلى أخرى.
بداية، لا شك في أن المناخ والطبيعة يلعبان دوراً في الجذب السياحي، ولكنهما ليسا العاملين الوحيدين، فلو كان الأمر كذلك لما كان هناك سائحون من غير المناطق الحارة، أو تلك التي تفتقر للمساحات الخضراء.
بل يمكننا ملاحظة أنه حتى داخل الدول التي تمتلك مقومات سياحية جيدة، لا تكون كل المناطق فيها سياحية بالضرورة، وذلك لوجود عوامل أخرى مؤثرة في النجاح غير توفر البساط الأخضر أو المناخ المعتدل، ولوجود مقومات وعناوين سياحية متنوعة تشمل: المغامرات، الترفيه، العبادة، الثقافة، الشواطئ، التأمل، العلاج، البيئة، الفعاليات الاقتصادية، التسوق، الرياضة، وغيرها.
نظرة سريعة على بعض أشهر المعالم السياحية تؤكد أن السياحة لا ترتبط بشكل حتمي بالمناخ أو التضاريس، فمثلاً ميدان ترافلغار (Trafalgar Square) الشهير في بريطانيا ليس سوى ساحة إرتبطت بحدث تاريخي عام 1805، هذه الساحة استقبلت 15 مليون سائح عام 2007.
وهكذا ميدان التايمز (Times Square) في الولايات المتحدة الأمريكية الذي يستقبل سنوياً حوالى 50 مليون زائر، وهي ساحة تحيط بها بعض المباني الشاهقة، وتتواجد على جوانبها بعض المحلات لمنتجات شهيرة.
أما المثال القريب الذي يشترك معنا في الطقس والجغرافيا فهي إمارة دبي التي جاءت في الترتيب العاشر عالمياً في قائمة المدن الأكثر استقطاباً لأعداد السائحين عام 2009، حيث بلغ عددهم حوالى 7 ملايين سائح.
أما على مستوى كل الإمارات فإن مجلس السفر والسياحة العالمي يتوقع أن تبلغ عائدات القطاع السياحي فيها بنهاية العام الجاري نحو 67.6 مليار درهم مقارنة بـ 64.9 مليار العام الماضي، أي بنسبة نمو قدره 4.2%، وأن ترتفع في العام المقبل إلى 71.5 مليار، وفي 2018 إلى 75.5 مليار، ونحو 80 ملياراً في 2019، لتصل إلى نحو 85 مليار درهم في 2020.
في دولة قطر يتوفر اهتمام ورغبة لتعزيز هذا القطاع، انعكس ذلك على حجم المساهمة المباشرة لقطاع السياحة القطري في الناتج المحلي الإجمالي للدولة عام 2014 حيث بلغ نحو 4.243.8 مليون ريال قطري، أي ما يعادل 2%، بينما بلغت مساهمته الإجمالية 10.851.9 مليون ريال، أي 5.1% من الناتج المحلي الإجمالي.
وعدا عن الاستعدادات لاستضافة كأس العالم عام 2022، الذي يتوقع أن يساهم في نمو قطاع السياحة بشكل كبير، فإن الإحصاءات تشير إلى ارتفاع عدد الغرف الفندقية إلى 23 ألفاً خلال العام الجاري، وتستهدف الدولة 9 ملايين زائر عام 2030، لتتجاوز نسبة مساهمة السياحة 5%، كما تعتزم قطر إنفاق أكثر من 45 مليار دولار لتطوير المنتجات والخدمات السياحية.
إن التفاوت في واقع السياحة خليجياً يجب أن يدفعنا للتفكير مليّاً في أسبابه، ومن المؤكد أن نجاحه في مكان ما يرتبط بالتفكير الإستراتيجي والتخطيط المتخاصم مع الاقتصاد الريعي، تخطيط يولي الاهتمام بالموارد المتجددة، فينظر إلى السياحة كرافد اقتصادي متجدد، وكمنفذ بديل - ضمن مجموعة بدائل- عن النفط في توفير السيولة.
من المهم الإشارة إلى وجود مناطق يمكن أن تكون جاذبة سياحياً للباحثين عن المناظر الطبيعية، والأجواء المعتدلة في أوقات الصيف، كما هو الحال مع صلالة في سلطنة عمان، وأبها في المملكة العربية السعودية، بل تمثل جغرافيا وتضاريس دول المجلس نقاط جذب لعدد كبير من الأوربيين، إضافة إلى وجود معالم تاريخية (رغم التعديات التي مورست في حق الكثير منها)، وتنوع ثقافي ينتج فنوناً لا توجد في غير هذه المنطقة.
خلاصة القول: إن الاهتمام بالسياحة في ظل ظروف أزمة النفط يساعد في سد عجز الموازنات الذي خلفه تراجع أسعار النفط، وينسجم مع خطط تنويع الاقتصاد، ويتيح للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة فرصة المساهمة في نمو إقتصادات هذه الدول، مما يجعله خياراً إستراتيجياً بامتياز، وفي تجارب بعض الدول الخليجية ما يحفز على الدفع بهذا القطاع نحو الأمام، والعناية به وتنشئته ليكون أحد المرتكزات الاقتصادية إلى جانب القطاعات الأخرى.