إنه العراق
العراق بلد عظيم، عدد سكانه تجاوز 37 مليونا، ورغم أن 80% من سكانه عرب إلا أن لديه تنوعا عرقيا عجيبا، فهناك الأكراد والفرس والشركس والكثير من الأقليات الأخرى. التنوع كذلك يشمل طبيعة التضاريس فهناك الصحارى الشهيرة، وهناك الأنهار والغابات والوديان والبحر، حيث لدى العراق قرابة 60 كلم على الخليج العربي. العراق يتميز كذلك بالتاريخ والحضارة والموسيقى والغناء والأدب والرواية، فأعظم القصص العربية الخالدة منبعها العراق كألف ليلة وليلة وعلاء الدين وسندباد وعلي بابا.
عاش العراق أمجاده الحضارية في زمن الدولة العباسية حيث نقلت العاصمة من دمشق إلى الكوفة ومن ثم إلى بغداد التي بنتها بشكل حديث وعصري. استمرت بغداد عاصمة الثقافة والنور حتى جاء الغزو المغولي بقيادة هولاكو، فدمر بغداد وقتل قرابة مليون شخص حسب بعض الروايات، وارتكب أكبر جريمة في حق الإنسانية كذلك بتدمير وحرق مكتبة بيت الحكمة، وإلقاء كتبها ومحتوياتها في نهر الفرات، حتى يذكر بعض المؤرخين أن لون النهر تغير بسبب لون الحبر الموجود في هذه الكتب الضخمة التي كانت تحتوي أحدث العلوم البشرية، ويقدر بعض العلماء أن هذه الجريمة تسببت في تأخر العلوم البشرية قرابة 300 عام.
حكم العراق بعد المغول الصفويون ثم العثمانيون، وبعدها بدأت الحرب العالمية وحكم الاستعمار البريطاني ثم جاءت اتفاقية سايكس بيكو التي رسمت الحدود للعالم الجديد، وتكونت مملكة العراق، وبعد العديد من الثورات تحولت إلى جمهورية العراق والتي كان أبرز من حكمها صدام حسين لمدة 24 عاما، خاض خلالها حربين غيرتا في تاريخ وحاضر العراق الكثير. الأولى حرب إيران والتي عند نهايتها كان الجيش العراقي هو الخامس عالميا بقرابة مليون فرد. امتياز العراق وقتها لم يكن في الجانب العسكري فقط وإنما حتى في التعليم، فقد كان مستوى الجامعات والمدارس هو الأفضل في العالم العربي، وكذلك القطاع الزراعي فقد وصل العراق لمستوى الاكتفاء الذاتي، فمساحة الأراضي الزراعية بلغت 48 مليون دونم. وكان العراق ثالث أكبر منتج للتمر في العالم فلديه 22 مليون نخلة. كل ذلك انقلب رأسا على عقب بعد أن قام صدام بغزو الكويت عام 1990 بشكل غاشم مما أدى لنتائج كارثية على العراق لاحقا، فقد عاش العراق سنوات من الحصار والعقوبات الدولية، فانهارت قوة الجيش العراقي، وانهار التعليم حتى أصبح في العراق اليوم 6 ملايين أمي، وتأثر قطاع الزراعة حتى أصبحت المساحات الزراعية لا تتجاوز 12 مليون دونم. وعندما توقع الجميع أن وضع العراق لا يمكن أن يزداد سوءا، جاء الغزو الأمريكي بحجة امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، وتم إنهاء حكم صدام حسين عام 2003، ومع بداية الغزو الأمريكي تمت أكبر عملية نهب في تاريخ الحضارات والآثار لمتاحف العراق بشكل ممنهج ومنظم حتى طالت حديقة الحيوانات في بغداد، فمن أصل 600 حيوان لم يبق سوى 50 فقط!
دخل العراق بعدها في مأساة العمليات الانتحارية والتي حصدت خلال 7 سنوات (2003-2010) أرواح أكثر من 12 ألف مدني و200 عسكري من قوات التحالف، فيما خلفت هذه الحرب أكثر من 430 ألف قتيل عراقي و620 ألف جريح، 30% منهم بعاهات مستديمة. هذه الحروب تركت في العراق اليوم أكثر من مليوني أرملة و1,8 مليون لاجئ حسب تقرير الأمم المتحدة، أي إن العراق احتل المركز الثاني عالميا في عدد اللاجئين! وهناك أكثر من 140 ألف عراقي يعيش اليوم في أمريكا بعد أن كانت بغداد في يوم من الأيام عاصمة الحضارة والنور ويحلم الناس بالانتقال والعيش فيها.
الحرب الأمريكية على العراق كلفت حسب التقارير الرسمية 800 مليار دولار شارك فيها 1,5 مليون جندي أمريكي في أوقات مختلفة قتل منهم قرابة 5 آلاف شخص، وأصيب قرابة 30 ألفا. بعض دكاترة الاقتصاد الأمريكي يعتقدون أن تكلفة الحرب أعلى بكثير وتكون قد تجاوزت تريليوني دولار، ولكن في جميع التحليلات فإن تكلفة الحرب على العراق كانت كافية لبناء نظام مائي وشبكة مياه لكل قرية ولكل مواطن على وجه الأرض.
العراق اليوم مختلف تماما، فبعد أن كان خلال فترة حكم صدام حسين لا يوجد به غير حزب سياسي رسمي واحد فقط، وهو حزب البعث، نجد اليوم أن هناك 371 حزبا وحركة سياسية و73 فصيلا مسلحا، وديون العراق بلغت 124 مليار دولار لصالح 29 دولة، على الرغم من أن دخل العراق من النفط خلال الفترة من 2003 إلى 2017 بلغ قرابة تريليون دولار، ولكن الفساد وتضارب المصالح وشتات الصف أدى لهذه النتائج الكارثية.
على الرغم من كل ذلك، فالعراق بلد مليء بالخيرات، ويستطيع العودة لأمجاده العريقة ويصبح بلدا عربيا ذا ثقل سياسي اقتصادي عسكري، فهو اليوم رابع منتج للنفط في العالم بعد السعودية وروسيا وأمريكا، حيث ينتج خمسة ملايين برميل من النفط يوميا، ولديه خامس احتياطي نفطي في العالم، والعديد من المصانع المعطلة، ومساحات زراعية شاسعة، ولديه نهرا دجلة والفرات، والكفاءات البشرية، وكل المقومات ليعود كما كان وأفضل. كل ما يحتاجه العراق هو وحدة الصف ونبذ الطائفية وتقديم مصالح البلد على مصالح الأفراد والجماعات وخاصة الخارجية منها.