الإبداع من أوسع أبوابه
يحيى الانسان ويبقى محافظاً على شخصيته لتظهر محترمة أمام الناس، فهو يحترم نفسه ويقدّرها ، فلا يسمح لأي كان بأن يتعرّض لشخصه ويشهّر بمساوءه ليسقط في أعين الآخرين، فنفسه عزيزة عليه، تلك طبيعة كل انسان سوي، وهذا ما يجعل الانسان يحسب ألف حساب في كل تصرف وسلوك أمام الآخرين لكي لا يراه الناس إلا بمظهر متقبّل عندهم، حتى أنه وللأسف يفرط في مراعاة المظهر أمام الناس فيسايرهم وإن كانوا متخبطين منغمسين في الخطأ بعيداً عن الصواب كل ذلك كي يتماشى معهم ولا يخرج عن عاداتهم وتقاليدهم فكما يقول المثل(حشر مع الناس عيد)، ولكن يأتي يوم ليُرفَع ذلك الستار الذي لطالما كان الانسان يحافظ عليه طيلة فترات حياته لتبقى سمعته حسنه.
فتمرّ الأيام حتى يأتي يوم تتكشف فيه كل صغيرة وكبيرة، الكل في ذهول وخوف وخجل في ذلك اليوم،منكّسة وجوههم لما قد كتب في صحفهم من أفعال يندى لها الجبين؛ وكيف لا يطأطأ رأسه ويذوب خجلا من ستعرض ذنوبه وخطاياه أمام المحشر؛ أمام الملائكة المقربين، والأنبياء والصديقين، والعلماء الربانيين، والشهداء والصالحين، والناس أجمعين، بل أنه وفوق كل ذلك يرى نفسه أمام ملك الملوك وجبّار الجبابرة...
وبينما الناس على تلك الحالة من الذهول والكل في صمت وسكون، ينبري أحدهم لتكلُّم فيقول بعالي صوته، مشيراً إلى صحيفته، بكل فخر واعتزاز: *" هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ"*![سورة الحاقة 19].
فمن ذا يلوّح بصحيفته في ذلك الموقف المهول لابد أن تكون صحيفته ناصعة البياض لا ذنب فيها ولا خطأ، بل من يقدم على ذلك لابد أن أعماله أفضل من الملائكة المقربين والأنبياء والصديقين و.. و..، إذ أنه يفتخر بصحيفته أمامهم.
وكيف لا يكون له الفخر عليهم في ذلك اليوم وهو من قالت له الملائكة المقربون- عند مبيته على فراش رسول الله -: *" بخ بخ ، من مثلك يا بن أبي طالب ؟ يباهي الله بك الملائكة"* [إحياء العلوم]، أو كيف لا يفتخر من كان عمل من أعماله أفضل من أعمال الثقلين؛ كما قال الرسول(صلى الله عليه وآله) في حقه (عليه السلام) *"ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين"*.
ويكفي أمير المؤمنين تميزا أنه التجلي الأعظم للقيم السامية بمختلفها، ولقد أبدع الشاعر إذ يقول في حقه:
١.جُمعتْ في صفاتِكَ الأضدادُ
فلهذا عزتْ لكَ الأندادُ
٢.زاهدٌحاكمٌ حليمٌ شُجاعٌ
ناسكٌ فاتكٌ فقيرٌ جوادُ
٣.شِيَمٌ ما جُمعنَ في بَشرٍ قَطّ
ولا حازَ مثلهنّ العبادُ
وكذلك هم شيعته على أثره فتراهم متميّزين في إنجازاتهم فهم أهل تميّز واعتزاز؛ بحيث يرفعون رؤوسهم معتزين بما قد أنجزوا كما كان أميرهم، ألا تسمع ماذا يقول عنهم النبي : *"وإن شيعتك على منابر من نور مبيضة وجوههم حولي"* [كفاية الطالب]،
فاعتزازهم مما يدلل على تميّز أعمالهم، فالآخرين ينظرون لهم بتقدير وإكبار وغبطة لمكانتهم فهم لهذا مبيضّة وجوههم، وهم في قبال من سودّت وجوههم لخجلهم من ذنوبهم.
فشيعة أمير المؤمنين هم من لهم إنجازات مميزة في حياتهم؛ وكمثال على ذلك ما يذكره كتاب (تأسيس الشيعة لعلوم الاسلام) من نماذج فذة متميزة قد أبدعت في مختلف الحقول ولا زالوا يبدعون.
وأنت الآخر يمكن أن تجعل نصيبك من التشيع الاسم فقط فتكون مما لا حظ لهم في التميز والإبداع، وإما أن تجعل نصيبك من التشيع اقتفاء آثار حياة أمير المؤمنين وسيرته والاقتداء بمنهجه وبذلك دخول باب الإبداع والتميز من أوسع أبوابه، وبتالي نيل شفاعة أمير المؤمنين فتكون من وراءه مفتخرا بصحيفة أعمالك مناديا: *"هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ"*.
- ملحق
تدبر في الآية الكريمة: (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ)
الهاء في (هاؤم) هي للتنبيه وهو حرف اشارة والخطاب فيه كما هو ظاهر أنه للجمع، والتنبيه يأتي للغافل وللمنذهل كما هو حال الناس في ذلك اليوم فيأتي الخطاب منه ليلفتهم إلى أعماله الصالحة التي هي مفخرة له، ولا ضير من تلك المفخرة بل من أراد أن يفتخر فاليفتخر بأعماله الصالحة في ذلك اليوم لا بغيرها من القيم الزائفة في هذه الحياة الدنيا؛ فعن الله عز وجل في حديث قدسي:" أخّر...فخرك للميزان"
وإذا لاحظنا أنه لا يوجد انسان إلا ولديه ذنب يخجل أن يراه الناس على مثل ذلك الذنب، فمن أين له أن يفتخر بصحيفة أعماله كاملة كما تشير إليه كلمة: *(كِتَابِيَهْ)* في الآية الكريمة فقد يفتخر أحدهم بعمل من أعماله الصالحة ولكن أن يدعو الناس إلى قراءة كتابه(صحيفة أعماله) كاملة مفتخراً بما يوجد فيها من سيئات لا يعقل أن يكون ذلك إلا أن تكون صافية من كل سيئة.
فيمكننا بذلك أن نقول عندها أن الآية لا تصدق إلا على أمير المؤمنين وأولاده، وأما عن غيرهم ممكن أن تصدق عليهم ولكن بشفاعتهم؛ فعن أبي جعفر (عليه السلام)في قوله عز وجل: *فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ [هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ]،..."نزلت في علي ، وجرت في أهل الايمان مثلا"* [البرهان في تفسير القرآن ]