الإمام الصادق (ع) ... دعوة للتثقيف الذاتي
الإمام الصادق كان رافداً علمياً، ملأ الدنيا بعلمه وفكره الثاقب، حتى قال ابن الصبّاغ المالكي (784 ـ 855 هـ ) : نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته وذكره في سائر البلدان، ولم ينقل من العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه من الحديث.(1)
و"ليست ثقافة الإمام الصادق محـدودة بما قال أو بما حفظ عنه من آثار في مختلف العلوم، بل أكبر من هذا سعة وأكثر رحابة وأبعد أفقاً، لأن ثقافته اتصلت بالموجودات رأساً كما تتصل السحابة بالبحر، والضياء بالشمس والعطر بالورد وحيث كان يستوحي أفكاره واتجاهاته ومعارفه من اللـه خالق البحر والشمس، ومفتح الورد . فالوحي من اللـه فالنبي فالإمام، وكذلك الإلهام من اللـه فالإمام". (2)
وقد كان من مظاهر سعة علمه أنه قد ارتوى من بحر علومه أربعة آلاف طالب وقد أشاعوا العلم والثقافة في جميع الحواضر الإسلامية ونشروا معالم الدين وأحكام الشريعة.(3)
ويمكن أن نستفيد من هذه الإطلالة السريعة فكرة (ضرورة التثقيف الذاتي)، مستلهمين الخطوط العريضة من كلمات الإمام الصادق :
- الدعوة لاكتساب العلم
قال الإمام الصادق: " لست أحبّ أن أرى الشابّ منكم إلّا غادياً في حالتين، إمّا عالماً أو متعلّماً".(4) إنها دعوة لمعايشة العلم، والتعلم، والاطلاع المستمر على العلوم، واكتساب المهارات الفنية.
عليك أن تنمي في ذاتك فكرة التعليم الذاتي، كن باحثاً نَهماً، ومتعلماً عطشاً، لا تقف عند قلة المصادر بل عليك البحث، والفضول للمعرفة، ولا تمل من التعلم و الاكتشاف، تعلم مهارات جديدة يومياً، واقرأ كثيراً قراءة رصينة، مركزة.
- السؤال مفتاح المعرفة
رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق أَنهُ قَالَ : " إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ عَلَيْهِ قُفْلٌ وَ مِفْتَاحُهُ الْمَسْأَلَةُ " (5)
لأن السؤال كنز عظيم من كنوز المعرفة، ولأن السؤال وسيلة تخاطب وتفاهم وتبادل للأفكار والمصالح، لذلك اسأل ..واجعل السؤال والبحث منهج حياة ..فإنما تُرزَق المعرفة ودلالة الطريق بمزيدٍ من السؤال .. اسأل ولا تشبع أبداً من التطلع إلى مزيدٍ من الفهم والاستبصار..
اسأل ففي السؤال خروج من عملية الاستقبال والتسليم إلى عملية الاستفهام، وتوسيع دائرة الوعي والمعرفة.
- اكتب وانشر
عن المفضل بن عمر قال: قال لي أبو عبد الله : "اكتب وبث علمك في إخوانك فإن مت فأورث كتبك بنيك فإنه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلا بكتبهم" (6)
أ ) الكتابة رسالة ..
ليست الكتابة مجرد كلمات مختارة من كتب المعاجم والفلسفة، وإنما هي تعبير عن كلّ ما يجول في خواطرنا وكلّ ما نشعر به، فبها تستطيع التعبير بشكل رائع ومعبّر عن كل ما تريد، وما ترغب بإيصاله للآخرين، وهي وسيلة للتّنظيم وحفظ المعلومات من الضياع والنسيان وكما يقول الإمام الصدق (أكتبوا فإنكم لا تحفظون حتّى تكتبوا)(7).. والكتابة هي تعبير عن الرأي.
والكتابة ليست ترف فكري، بل هي رسالة تهدف إلى التغيير، لذلك علينا أن نتعلم: فن واسس الكتابة ، والكتابة لعلاج قضايا الإنسان والمجتمع.
ب ) نشر المعرفة
إنما بعث الرسول الأكرم ليخرج الناس من ظلمات الجهل إلى نور العلم والحياة، فلا تدع العلم والمعرفة تقف عند حدود ذاتك فتكون أنانياً بخيلاً، بل عليك أن تتحمل مسئولية نشر العلم لمن حولك، ونمي في ذاتك صفة العطاء المعرفي.
" بث علمك" دع علمك ينتشر في ربوع المجتمع مؤثراً ومعالجاً لقضاياه.
ج ) اصنع مكتبة " أورث كتبك بنيك"
المكتبة المنزلية ليست ديكور، وإنما هي وسيلة لبناء المعرفة، وسيلة لإضاءة المنزل بنور العلم، وهي مصدر إشعاع وبناء لكل صفات الخير والفضيلة ،وهي من مقومات الأسرة الناجحة.
لذلك عليك أن تبدأ بفكرة تأسيس مكتبة شخصية في منزلك، وتسعى لأن تكون ذات تنوع مناسب لجميع أفراد العائلة، ذلك لأن للمكتبة المنزلية تأثير كبير في تكوين شخصية أفراد الأسرة.
ويمكن لأفراد العائلة المساهمة في تأسيس المكتبة بشراء واختيار الكتب التي تنمي ثقافتهم.
" أورث كتبك بنيك" في حياتك قبل مماتك، حببهم للكتب، وشجعهم للقراءة.
- أخلاقيات المثقف
عندما تفتقد الثقافة إلى الأخلاق فإنها تسمى " بنك معلومات فقط " لذلك عليك أن تتحلى بروح الأخلاق كما ورد عن الإمام الصادق :
قَالَ مُعَاوِيَةُ بْن وَهْب : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : " اطْلُبُوا الْعِلْمَ وَ تَزَيَّنُوا مَعَهُ بِالْحِلْمِ وَ الْوَقَارِ، وَ تَوَاضَعُوا لِمَنْ تُعَلِّمُونَهُ الْعِلْمَ وَ تَوَاضَعُوا لِمَنْ طَلَبْتُمْ مِنْهُ الْعِلْمَ ، وَ لَا تَكُونُوا عُلَمَاءَ جَبَّارِينَ فَيَذْهَبَ بَاطِلُكُمْ بِحَقِّكُمْ " (8)