الكمال أسوأ مرض يصيب العقل البشري
المثالية: مبدأ في الحياة ونهج يتخذان الحقائق السامية مثلاً يُستهدى به، ويبتعدان بالإنسان عما يشد به إلى الأرضيات.
جاء في معجم المعاني: «والمثالي في السلوك، نموذجي. والمثالية في الفلسفة، مذهب فلسفي يجعل الفكر خاضعاً لتصور ذهني وحقيقة عليا فوق كل ما هو موضوعي ومادي، في الفن والأدب؛ هو تمثل الأشياء نماذج ترمز الى قوة جوهرها في الأخلاق، والدعوة إلى الكمال الإنساني، وجعل الإنسان غاية أخلاقية نموذجية.
يقول الأديب والقاص الفرنسي جان دي لافونتين (1621 – 1695): «الكمال أسوأ مرض يصيب العقل البشري».
الأغلب يبحث عن المثالية، ولكن في طريقه يسحقها بأقدامه حتى لا يجد ظلها، إن كانت المثالية تتجسد في فعل الخير، وفي كمال الإنسان وسموه في أخلاقياته، والاستقامة بشكل مفرط، فقد تقطعت خيوطها واقعيا، يضيّع الانسان وقته في طريقه للوصول إليها وفي البحث عنها.
المثالية؛ الفكرة الحاضرة في الأذهان، الغائبة عن الواقع.
المثالية؛ تتعبكم بصداها بوقع الكلمة على أرضكم، يا سادتي…! حرروا المثالية من بحثكم، ومن قيدكم، ومن فعلكم المزيف، ومن خداعكم لأنفسكم، على المرء أن يكون على طبيعته، خير له من تعب فيما ليس فيه وله.
كُن كما أنت، أنت إنسان، وليس كل إنسان متكاملاً، ليس على المرء ان يصبح ملائكياًّ بمثاليته، فليكن إنساناً فقط، حين يُخطئ لا يكرر الخطأ، ويحاول تصحيح مساره بفهم الأسباب والنتائج التي أوصلت به الى هذا الحد، ويبتعد بقدر الإمكان عن أفعال الشيطان، وبذلك هو لا يحتاج لأن يفعل ما فوق طاقته ليرضي الآخرين، فالضمير كما يقول العالم اللاهوتي البروتستانتي كارل بارث (1886ـ 1968):- «الضمير هو مترجم الكمال في الحياة».
احرص على عدم الخلط بين التميّز والكمال، التميز؛ أستطيع الوصول إليه، الكمال؛ هو عمل الله.
الصدق والتصالح مع النفس هو قلب الفكرة، فالبعض تمتزج وتتشابك خيوطه وتتقطع بسبب ما يخالط نفسه من تردد وشك وكذب ليرضي المقابل فيخسر خطى نفسه ويصبح نسخة لغيره، والكارثة تكمن حين يكون نسخة لشخص لا مبالِ، وليس ايجابياًّ، يستهتر بالواقع ويتبع هواه،
ومن الجدير بالذكر أن جانباً كبيراً من المثالية يستظل بجناح محاربة النفس، وكبح جماح الهوى، فالرغبات قد تؤدي للهلاك إن أتبعت بشكل خاطئ، ومحاربة النفس هنا ليس بالشكل المتطرف، فمعرفة ما لها وما عليها ضروري، فالترفية عن النفس لابد منه لكن لايجب ان يستهلك الترفيه كل الوقت، والتطرف بكل شيء له تبعات مضرة جداً، فالموازنة حسب المطلوب هي الأمثل لصحة الأمور وقوامها.
ويجب ذكر أن الطفولة والتربية الصحيحة في المنزل والمدرسة ومعاملة الوالدين للطفل ورعايتهما له كلها تؤدي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بالتأثير على الإنسان بأن يتخذ الصورة السليمة أو المهشمة، لأن الإنسان البالغ هو نتاج الطفولة وما يتبعها من عوامل صغيرة قد تؤدي الى التأثير على هيئة الإنسان بمعنى الإنسان، وتلك العوامل ما ينتج عنها مهم كونه يصبح إنساناً صحيح الجسم وسليم الفكر، وصحة الجسم وصحة الفكر كلاهما يسهمان في صنع الإنسان المثالي لا الملائكي بالضرورة، بل الإنسان المبتعد عن ملامح الشيطان.
يقول الأديب الالماني يوهان فولفغانغ فون غوته (1749 -1832): «الذي يعترف بداخله بسلبياته هو إنسان يقترب من الكمال». فمن الافضل ان يكون الانسان حقيقته المصقولة كما هي، بلا تزييف، بلا إضافات، بلا… ما أود طرحه أنّ باطن الانسان كظاهره، لا يتضادان لا يتصارعان، فالمثالية لا تتجسد فيك وأنت تفتعلها.
فالشعور بالنقص يولد لنا عقدة الكمال، الرسام الاسباني الشهير، سلفادور دالي يقول : «لا تخف ابدا من الكمال، فلن تصل له ابدا».