«أزمة كورونا أم أزمة الشّيعة مع التطرّف؟!»
منذ بداية أزمة كورونا في السّعوديّة، وبعد انتقال العدوى لبعض أفراد الشّيعة القادمين من إيران، ونحن نسمع عدّة أصوات مستفزّة ومتطرّفة من داخل أرض الوطن، وإن كان البعض يحاول التمظهر بعدائيّته لإيران، لكن لا يمكن اخفاء رائحة الطائفيّة النتنة التي تنبعث من كلماته تحت غطاء سياسيّ، وهذا ما يجعلني أنا كمواطن شيعي أنتمي إلى تربة هذا الوطن الغالي، أشعر بفجوة واسعة بين الإعلام والواقع -وأعتقد أن الكثير من الشّيعة يشاطروني هذا الشّعور-، وهو فيما يرتبط بعلاقتنا الاجتماعيّة مع أهلنا من الطائفة السّنيّة؛ وذلك بسبب مجموعة من الصّبية المستهترة التي تخرج بين الفينة والأخرى في الإعلام عند كلّ حدث ومناسبة، ليزكموا أُنوفنا بخطاب الكراهيّة والطائفيّة، وهو ما يوحي للآخرين من بعيد، ممّن لا يُشاركونا الواقع المُجتمعي، بأنّنا في حالة طوارئ دائمة، وعلاقات متشنّجة ومحتدمة مع السّنة، وهو انطباع مُجانب للصّواب وبعيد عن الواقع، بل ممّا يؤسف أكثر أنّ هذا التصوّر السّلبي تسلّل كذلك إلى أذهان أهل السّنة داخل الوطن في المناطق التي تخلو من المجتمع الشّيعي، وليس ذلك إلا بسبب هذا الخطاب الموبوء الذي يستوحش منه حتى أهل السُّنة في مناطق التعايش مع الشّيعة، فهذا اللحن من الخطاب لا ينسجم وأخلاقيّاتهم في تعاطيهم مع أحبائهم من الشّيعة، الضّاربة بجذورها في عمق التاريخ المجتمعي، وهذا المقال لا يسنح لتوصيف تلك العلاقة النموذجيّة في مختلف مفاصل الحياة.
في الواقع أصبح الشّيعة في السّعوديّة يتمتعون بلياقة روحيّة عالية أمام هذه الاستفزازات المُتطرّفة، ممّا يجعلهم يترفّعون عن مجاراتها؛ وليس ذلك إلا لمبادئهم الدّينيّة والوطنيّة التي تربوا عليها بالدّرجة الأولى، ولأنّهم اعتادوا على سماع تلك الأصوات النّشاز بالدّرجة الثّانية.
إن ما أخشاه أن هذه الفئة المتطرّفة تستشعر الأمان باطلاق خطابها الموبوء من داخل الوطن وفي ظل سيادة القانون الذي يُجرّم ذلك، وهو ما يعني أنّنا بحاجة إلى تكثيف الجهود أكثر في تطهير المجتمع من هذه الفئة، وكبح جماح طائفيّتهم، وعلى الإعلام أن يتخذ دوره في كشف ذلك، كما فعل مع الإرهاب في مرحلة سابقة، أو على الأقل بمقدار ما نُشاهد من تغطيات “سناب شات”، عند اعتقال المخالفين لأصحاب المطاعم والمنتجات المغشوشة، أو كما فعلوا مؤخّراً مع أصحاب الإستراحات المُخالفة للإجراءات الإحترازيّة للسّيطرة على وباء كورونا، وهل حادثة التعرّض على مكوّن وطني أصيل، أقل شأناً من حادثة وافد بصق على كمّامة، على إثرها سارعت الجهات المعنيّة لاعتقاله وتسليط الإعلام عليه؟!.. واقعاً نحن اليوم أحوج ما نكون للحفاظ على جماليّة صورة واقعنا المُجتمعي من عمليّة التشّويه المتكرّرة والمتعمّدة من هذه الفئة، وحريّ بالإعلام تسليط الضّوء عليهم، حتى يكونوا عظة لغيرهم.
لا تخفى على المتابع نبرة الخوف التي أطلقها أهلنا الزّوار عبر مقاطع فيديو من إيران ولبنان، لكن ليس لأّنّهم خالفوا القانون، كيف! وقد جاءهم العفو الأبويّ من الدّولة، بل لعلمِهم بأنّهم شيعة، ويعرفون مسبقاً كيف لهذا الانتماء الطائفي أن يُسيغ لأصوات التطرّف ظلمهم والتعدّي عليهم، ممّن هم في داخل الوطن وعبر منصّات اعلاميّة مختلفة.
عندما يُشاطر أحد السّنة إخوانه من الشّيعة في مكافحة هذا الوباء، ويؤازرهم بتغريدة محبّة موجّهة لهم، تجد المجموعات الشّيعيّة -في مثل “الواتساب” وغيرها من منصّات التواصل الاجتماعي-، يتناقلون التغريدة بكثافة، وبطريقة تُشعرك بأنّ حركة تناقل مثل هذه الكلمات الوديّة، إنّما نابع عن شعور عميق بالجفاف الإعلامي نحوهم، مع أنّ هذه الطبقة من أهلنا السّنة تمثّل الشّريحة الكُبرى، وتجدها بوضوح على مستوى التعايش العفوي في الحياة العمليّة اليوميّة فوق تربة هذا الوطن الغالي، لكن ما يؤسف له أنّ أصوات النّشاز يكون لها النّصيب الأبرز في الإعلام دون أولئك.
إن عدم ملاحقة ومحاسبة هذه الفئة التي تسعى إلى تمرير تطرّفها من تحت الشّعارات الوطنيّة -والتي تُعتبر جريمة أُخرى لإساءة اسخدامها-، إنما يعزّز من نشاطها، كما يولّد حالة الشّعور بالإحباط في نفوس المواطنين الشّيعة، والذين هم اليوم أحوج ما يكونوا لأن يستشعروا أكثر للأمن ضمن عدل القانون الذي كان معهم سلفاً على أبواب مساجدهم وحُسينيّاتهم في وجه الإرهاب، وعلى الإعلام أن يبثّ ما يزرع هذه الثّقة في نفوسهم من خلال نشر وملاحقة هذا النّوع من المتطرّفين وتقديمهم للعدالة، وإن كنّا لا ننكر وجود ذلك مسبقاً، لكن الشّق أوسع من الرّقعة، ولا أُبالغ عندما أقول بأنّنا بحاجة إلى تعقيم العقول من وباء التطرّف، بحجم الإجراءات الإحترازيّة العظيمة التي نشهدها اليوم في مكافحة فيروس كورونا.