المناعة النفسية
نحرص دائمًا على البحث عن مقويات المناعة الجسدية، ونلتزم بتطعيمات الأطفال ضد الأمراض، ونبحث عن تلك الأغذية التي تحتوي على الفيتامينات ومضادات الأكسدة لتقوية المناعة...
ولكن هناك مناعة أخرى تحتاج إلى تقوية لتجابه تلك الظروف الصعبة والأزمات التي نتعرض لها بشكل يومي، فرب كلمة كانت كفيلة بتحطيم معنويات ذلك الشاب مفتول العضلات... ورب موقف أصاب ذلك الموظف بالإحباط وأفقده قدرته على العمل والإنتاجية... وكم هي الابتلاءات في هذه الحياة التي يتعرض لها الإنسان ومنها يفقد قدرته على العيش بسعادة وسلام في هذه الحياة.
قرأت رواية (أهلة حمراء) للكتابة زهراء القطان ذكرت في أحد فصولها موت الزوج فعاشت الزوجة سنوات طويلة مهملة لذاتها وأبنتها... وعاشت حالة من العزلة والاكتئاب الشديد ... ولم تتعافى من هذه الحالة إلا بعد جهد جهيد..
هناك الكثير من الناس يتعرضون لموقف يجعلهم يفقدون متعة الحياة فيضربون على أنفسهم طوقًا وحاجزًا اسمنتيًا من العزلة الاجتماعية وعدم التواصل مع المحيط الاجتماعي، كما أنهم يصابون بحالة من التعب النفسي المزمن، والأرق، وعدم القدرة على انجاز الأعمال وغيرها.
إن تنشيط المناعة النفسية أمرٌ مهم علينا جميعًا أن نكتسبه ونعمل على تنميته في أنفسنا من خلال العديد من الممارسات المترابطة مع بعضها البعض. ونذكر منها باختصار:
- التسليم لأمر الله
كلما كان الإنسان راسخ الإيمان، واعيًا بقضاء الله وما ترمي إليه المصائب والابتلاءات، فإنه يتكيف مع المصائب، يقول تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) التغابن آية (11)
جاء في تفسير هذه الآية: فالمؤمن لا تهزمه المصائب ولا ييأس ولا يجزع. والله يهدي الإنسان حينما يكون شكورًا لنعمه، صابرًا على بلائه، مستسلمًا لقضائه (1).
إن الهدوء والطمأنينة والسكينة هي نتيجة لقاح التسليم لأمر الله تعالى.
- من يصبر يسعد
الصبر هو القدرة على ضبط النفس بانتظار تحقق حدث مهم، أو الحفاظ على الهدوء في مواقف متوترة أو في وجه المصاعب.
لذلك فإن التحلي بالصبر والابتعاد عن الأوهام وعدم الاستسلام لموجات الخوف والتوتر ضروري لتجنب انعكاساتها السلبية على نفسياتنا والتي تؤثر بدورها على جهاز المناعة الجسدية لمواجهة الأمراض الأخرى.
(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) البقرة آية 155 بشرهم بـ«سعادة مؤكدة» و«إجابة أكيدة» تأتي على طبق من «الجبر» تنقل الإنسان من هاوية «الكربة» إلى بشرى «الفرج» والسير قدما لنيل «أعظم» بشائر الدنيا والآخرة بدخول الجنة «دون حساب» ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]
لذلك وكما يقول الإمام علي : اطرح عنك الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين (2).
- العبادة في الخلوات
اجعل لك خلوة تعبدية يومية تبث فيها كل مخاوفك وتستعيد بها نفسك.
قال الإمام الباقر : تعرض لرقة القلب بكثرة الذكر في الخلوات. وورد عن رسول الله قال: عودوا قلوبكم الرقة، وأكثروا من التفكر والبكاء من خشية الله (3).
وفي هذا الجانب نرى الكثير من التوصيات لقيام الليل ففيها راحة نفسية حيث الهدوء والسكون والاطمئنان وهي أفضل وقت للاسترخاء الذي ينعش قلب المؤمن وقد ورد عن الإمام علي قوله: قيام الليل مصحة للبدن، ومرضاة للرب عز وجل وتعرض للرحمة، وتمسك بأخلاق النبيين (4).
- الصداقة تعزز مناعتك النفسية
الصديق الإيجابي هو الذي يقوي مناعتك النفسية عبر كلماته التوجيهية المؤثرة، وعبر بث الطاقة الإيجابية في ذاتك لتتجاوز تلك المحنة، وقد روي عن رسول الله أنه قال: أسعد الناس من خالط كرام الناس. وقال الإمام علي : صحبة الولي اللبيب حياة الروح (5).
لذلك احرص على حضور تلك التجمعات التي تحتوى على الكثير من الحب والود والصداقة، فهي بلا شك لها الكثير من الفوائد الصحية النفسية.
وفي مقابل ذلك نجد التأكيد على ضرورة الابتعاد عن الصداقة السلبية التي تبعث في الإنسان التعاسة والهموم، يقول الإمام علي (عليه السلام): (احذر ممن إذا حدثته ملك، وإذا حدثك غمك) وعن رسول الله قال: (من لم تنتفع بدينه ودنياه فلا خير لك في مجالسته، ومن لم يوجب لك فلا توجب له ولا كرامة (6).
- الإفراط في التفكير
أمام المشاكل والمصاعب فإننا نؤكد على ضرورة التفكير بطريقة سليمة فهو مهم كونه سيحقق لك الكثير من الأشياء، فهو سيزيد فرصك وسيساعدك على حل مشكلاتك.
كما نحذر من طريقة أخرى للتفكير يتبعها البعض وهي الإفراط في التفكير السلبي، وهو التشبث في المشكلة والعيش المستمر في جلبابها!
إن هذا النوع من كثرة التفكير في الأمور ليس مجرد مصدر للإزعاج ، ولكن يمكن أن يحدث ضررًا كبيرًا على حياتك، لأن التفكير في العيوب والأخطاء والمشاكل يزيد من مشاكلك النفسية، وهو ما يؤدى إلى حلقة مفرغة من الإحباط.
كما وتظهر الدراسات أن الإفراط في التفكير يؤدي إلى أزمات نفسية خطيرة، قد تنعكس على مجمل حياتك كعدم قدرتك على النوم بشكل جيد، مما يضعف مناعتك ويؤثر على صحتك. وقد يصاب البعض بحالة من التشاؤم والنظرة السوداوية للحياة والحزن المستمر وكل هذه الأمور تسبب ضعف المناعة النفسية.
ورد عن الإمام علي أنه قال: الفكر في غير الحكمة هوس (7).
أخيرًا إن مناعتك النفسية تحتاج إلى رعاية خاصة وممارسات روحية ونفسية واجتماعية، فاحرص على تقويتها فهي خط الدفاع الأول في هذا العصر المليء بالأزمات النفسية.