عاشوراء مدرسة التغيير
لا توجد في التاريخ حادثة كحادثة عاشوراء الحسين تتجدد كل عام، تلهم (الأفراد والمجتمعات) قيم التغيير والتجديد، تلهمهم روح الإسلام الخالد، تلهمهم سبل الرقي الروحي والمعرفي والاجتماعي.
يقول وليم لوفتس ــ عالم آثار إنكليزي: (لقد قدم الحسين بن علي أبلغ شهادة في تاريخ الإنسانية، وارتفع بمأساته إلى مستوى البطولة الفذة).
في عاشوراء تتجدد فرص التغيير الذاتي والاجتماعي، وفي هذا الجانب نذكر هذه المفردات:
قوة الإرادة
قال حميد بن مسلم: فوالله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشا ولا أمضى جنانا منه عليه السلام، إن كانت الرجالة لتشد عليه فيشد عليها بسيفه، فتنكشف عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب (1).
نعم، بقي الإمام الحسين صامداً، لم تتغير ولم تضعف عزيمته.
وهكذا ينبغي أن يكون قائد التغيير فمهما اشتد المصاعب وتتالت الخطوب ينبغي عليه أن لا يستسلم لها بل عليه أن يشد من عزيمته ويبقى قوياً أمام تلك المصائب والضغوط.
- تعزيز الثقة بالنفس
قال ابن قولويه والمسعودي: لما أصبح الحسين يوم عاشوراء وصلى بأصحابه صلاة الصبح قام خطيباً فيهم حمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله تعالى أذن في قتالكم وقتلي في هذا اليوم فعليكم بالصبر والقتال (2).
لا يمكن لأي قائد ان يتفوه بهذه الكلمات ما لم يكن على قدرة كبيرة بثقته بنفسه وقدراته وأهدافه، وثقته بأتباعه أيضاً، وهذا ما كان عليه الإمام الحسين عليه السلام واتباعه، وهذه الثقة نابعة من الثقة بالله فهو القائل: " اللهم أنت ثقتي في كل كرب ورجائي في كل شدة وانت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، ... "(3).
- أنصار التغيير
قال الإمام الحسين : أما بعد فإني لا أعلم اصحاباً أولى ولا خير من أصحابي ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني جميعاً (4).
لم يكن الإمام الحسين يبحث عن الأتباع العاديين بل كان يستقطب لحركته الكفاءات التي تتمتع بصفات الإيمان والإخلاص والتقوى، كان (عليه السلام) يحشد الأنصار والأتباع الأبطال المخلصين الذين لا يخافون في الله لومة لائم.
وما أجمل ما قاله جورج جرداق ــ العالم والأديب المسيحي: (بينما جند يزيد الناس لقتل الحسين وإراقة الدماء، كانوا يقولون: كم تدفع لنا من المال؟
أما أنصار الحسين فكانوا يقولون لو أننا نقتل سبعين مرة، فإننا على استعداد لأن نقاتل بين يديك ونقتل مرة أخرى أيضاً).
إن أنصار الإمام الحسين هم أصحاب الضمائر الحرة، " اَلَّذينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ".
- وحدة الصف الاجتماعي
في ليلة العاشر... امر الإمام الحسين أصحابه أن يقاربوا البيوت من بعضها ليستقبلوا القوم من وجه واحد وأمر بحفر خندق من وراء البيوت يوضع فيه الحطب ويلقى عليه النار إذا قاتلهم العدو كيلا تقتحمه الخيل فيكون القتال من وجه واحد" (5).
هذا العمل يوحي لنا بضرورة تلاحم الصف والتفاعل الاجتماعي الموحد، والاستفادة من التجارب الاجتماعية.
إن القائد الناجح هو الذي يرفض الأنانية والفردية، وهو الذي يربط الأتباع بعضهم مع بعضهم في صف واحد، ويوجههم نحو هدف واحد، ليكون العمل الجماعي هو شعارهم.
- التغيير السلمي
أراد مسلم بن عوسجة أن يرمي القوم بسهم فمنعه الحسين عليه السلام من ذلك، وقال له: لا ترمه فاني أكره أن أبدأهم بقتال (6).
إن رسالة الامام الحسين في عاشوراء كانت قائمة على ابعاد سلمية تتخذ من وسائل اللاعنف طريقا لنشر الهداية والرحمة والاستقامة واصلاح ذات البين وتحقيق الحرية والعدالة.
وهذا ما صرح به في كلمته: "إني ما خرجت أشراً، ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً؛ إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر" (7).
علينا أن نقتدي بالإمام الحسين ويكون منهجنا في التغيير منهج السلم والتسامح والمحبة والعفو والرفق واللين.
السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِ الله وَعَلى الأَرواحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنائِكَ، عَلَيْكَ مِنِّي سَلامُ اللهِ أَبَداً ما بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَيْلُ وَالنَّهارُ...