محاضرة الليلة الثالثة من محرم 1443 هـ

معالم على طريق السعادة || سماحة الشيخ أمين محفوظ

سماحة الشيخ أمين محفوظ
سماحة الشيخ أمين محفوظ

قال تعالى : (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)


يُخطِئ الكثير من الناس حينما يتصوّرون أن مناشئ السعادة والشقاء في حياة الإنسان هي مناشئ مادية .. فما يملِكه الإنسان من مال وصحة وإمكانيات ليست سببًا مُباشرًا لِسعادته.

كما أن ما يفتقده الإنسان من النِعم والإمكانيات ليست سببًا مُباشرًا لِشقائه .. فأسباب الشقاء والسعادة تقبع في داخل كُل إنسان ، و ترتبط في جوهرها بِنمط تفكير الإنسان و طبيعة نظرته للحياة.

فالقرآن الكريم كثيرًا مايؤكد على هذه الحقيقة ويلفِت نظَر الإنسان إليها لأنه قد يضِل في بحثه عن الطريق للسعادة ، فالكل يتمنّى السعادة وراحة البال و استقرار القلب .. ولكن تكمن المشكلة في جهل مناشِئ هذه السعادة ، و قد يتخبّط الإنسان في طُرق لا توصله للسعادة و قد يجر إليه الشقاء بسبب تخبّطه في السعي والبحث .. ولكن الحقيقة تكمن في جوهرها على تعديل نظرة الإنسان المختلفة للأشياء مِن حوله.


هناك بعض المناشئ الحقيقية لِسعادة الإنسان ، منها :

١- أن يربط الإنسان بين سعادته في الدنيا و الآخرة : بسبب عدم وجود هذا الربط ، كثير من الناس يقعون في فخ الكآبة والتعاسة بسبب النظر للدنيا بِمعزل عن الآخرة .. فهذا الربط سوف يُؤمّن الإنسان من اللهث وراء الغرائز والشهوات التي تجِرّه للمُوبقات ، كما أنه يُثمِر في قلب الإنسان الطمأنينة و استقرار القلب الذي يجلب السعادة والهناء في الحياة .. فَربط السعادة الدنيويّة بالأخروية تعني ذكر الله -عز و جل- والارتباط به ((أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)) .. فهذا الربط يجعل نظرة الإنسان متكاملة و فيه تعزيز للإيمان بالله تعالى ، ويجد فيه راحة قلبه حين مناجاته مع الله عند مواجهة المشاكل.

 

٢- إدراك سُنن الله في الخليقة : حين ننظر للحياة يجب النظر إليها على أساس السُنن التي خلقها الله والقوانين التي تُدار بها الحياة ، فلا وجود لِسعادة دائمة ولا شقاء دائم .. فطعم وقيمة السعادة للإنسان في نمط الحياة تكون عند الراحة بعد التعب ، وفي النجاح بعد الفشل.

فإدراك هذه السنن هو سبيل سعادة الإنسان ، كما أن إدراك القوانين التي تُدار بها الحياة تُؤمّن من الصدمات النفسية والوقوع في الشِقاء وتجعل عند الإنسان حالة من التوازن النفسي.

 

٣- الرضا و التسليم : فالرضا منشأ للسعادة ، وهو جعل تفكير الإنسان و تركيزه على ما يملكه.
فإذا اِنهمك الإنسان فيما لا يملك سيُذهل عن ماوهبه الله مِن النعم وتقديرها ، و لن يحقّق له ذلك السعادة حتى و إن حصل عليه.

فهذا نمط تفكير خاطئ ، فعلى الإنسان التّطلع لتطوير نفسه .. ولكن لا ينبغى الاعتقاد بأن السعادة تكمن في الحصول على ما لا نملك ، و عليه التركيز على النِعم الموجودة و شُكر الله عليها .. و ثمرته تخليف الهناء و حالة من الارتياح في القلب.

 

٤- أن يكون سببا في سعادة غيره : بأن يسعى في حوائج الناس و يكون عونًا لهم و مُساعدًا لهم في مشاكلهم .. فأي نوع من أنواع الإحسان  و المُساعدة للآخرين هو سبب تكويني و رئيسي من أسباب سعادة ابن آدم.