الانتظار الإيجابي
قال رسول الله : أفضل أعمال أمتي انتظار فرج الله عز وجل (1).
إن كل مناسبة تُقرأ بوعي فإن القارئ يجد فيها كماً هائلاً من الدروس والعبر، ومن بين الدروس التي نستوحيها من ميلاد الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف، الدروس التالية:
- الانتظار: برنامج حيوي
يتصور البعض أن مفهوم الانتظار مفهومٌ رجعيٌ جامدٌ يدعونا إلى السكون والراحة، في حين أن العكس هو الصحيح. فلو نظرنا إلى التاريخ لوجدنا أن المجتمعات المؤمنة بفكرة الانتظار الإيجابي هي مجتمعات متقدمة وذات تطلعات حضارية، وذات ثقافة حيوية تدعو للتطور والتقدم.
- الانتظار: اتصال مستمر
المحب للإمام المنتظر لا يغفل عن ذكر حبيبه لحظة واحدة، فهو على تواصل مستمر معه، ومن صور التواصل قراء الأدعية الخاصة بتعجيل الفرج، وهذه القراءة يجب أن لا تكون مجرد ترديد لسان فحسب، بل دعاءً نابعاً من الصميم، ومن أعماق القلب الملهوف، التوّاق إلى ظهور الفرج ليعكس ويتجسد في سلوك الداعي وأعماله الذي يبرهن من خلاله على صدق دعوته، وشوقه إلى ظهور المهدي.
ومن الأدعية التي المهمة في هذا الجانب دعاء العهد حيث ورد فيه :" للّـهُمَّ اِنّي اُجَدِّدُ لَهُ في صَبيحَةِ يَوْمي هذا وَما عِشْتُ مِنْ اَيّامي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ في عُنُقي، لا اَحُولُ عَنْها وَلا اَزُولُ اَبَداً" وكذلك دعاء الندبة عندما تقرا :"وَصِلِ اللّهُمَّ بَيْنَنا وَبَيْنَهُ وُصْلَةً تُؤَدّى اِلى مُرافَقَةِ سَلَفِهِ، وَاجْعَلْنا مِمَّنْ يَأخُذُ بِحُجْزَتِهِمْ، وَيَمْكُثُ في ظِلِّهِمْ، وَاَعِنّا عَلى تَأدِيَةِ حُقُوقِهِ اِلَيْهِ، وَالاْجْتِهادِ في طاعَتِهِ، وَاجْتِنابِ مَعْصِيَتِهِ".
- ميلاد الأمل
مهما كانت صعوبات الحياة وتقلباتها، فإنه لابد أن يأتي اليوم الذي تتبدل هذه الحالة إلى حياة أفضل ملؤها السعادة والرخاء، يقول ربنا : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) )الشرح /5-6 يريد الله ان يملأ النفس المؤمنة برحمته، بحيث تواجه مصاعب الحياة وفى قلبها شعلة إيمان لا تنطفئ، هذه الشعلة هي أمل متصل بالله سبحانه وتعالى، أمل لا ينطفئ أبدا.
إن من يؤمن بالإمام المنتظر فإنه يحيى حياة مليئة بروح الأمل والتفاؤل، بعيدة عن كل صورة من صور اليأس والقنوط والتشاؤم، من يؤمن بالإمام المنتظر فإنه لا يعرف لليأس طريقاً، وإنما قلبه يخفق أملاً وروحه تحلق في آفاق المستقبل المشرق. قال الإمام علي (عليه السلام): انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله، فإن أحب الأعمال إلى الله عز وجل انتظار الفرج (2).
- بناء الذات وإصلاح الثغرات
المنتظر الايجابي هو من يقوم ببناء ذاته، ويسعى لمعالجة نقاط الضعف في شتى المجالات، فهو كما يقول الإمام علي (عليه السلام) :"فَهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ وَمِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ إِذَا زُكِّيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ خَافَ مِمَّا يُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي وَرَبِّي أَعْلَمُ بِي مِنِّي بِنَفْسِي". كما أنه يعمل على إصلاح علاقاته بالآخرين، والتحلي بمكارم الأخلاق. كما في وصف الإمام علي : "يَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ وَيُعْطِي مَنْ حَرَمَهُ وَيَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ بَعِيداً فُحْشُهُ لَيِّناً قَوْلُهُ غَائِباً مُنْكَرُهُ حَاضِراً مَعْرُوفُهُ مُقْبِلًا خَيْرُهُ مُدْبِراً شَرُّهُ".
المنتظر الإيجابي هو الذي يحرص كل الحرص على أن لا يلوث شخصيته وصحيفة أعماله بصغائر الذنوب، فهو دائم المحاسبة لذاته كما يقول الإمام الصادق : حق على كل مسلم يعرفنا أن يعرض عمله في كل يوم وليلة على نفسه، فيكون محاسب نفسه، فإن رأى حسنة استزاد منها، وإن رأى سيئة استغفر منها لئلا يخزى يوم القيامة (3).
- الشخصية المميزة
ولذلك فإن المنتظر الحقيقي هو ذلك الإنسان المميز في مجتمعه، الملتزم بالقيم والمثل، وهو بمثابة نورٌ يسطع في مجتمعه، كما يقول الإمام الصادق لأحد أصحابه: يا عيسى بن عبد الله ليس منا ولا كرامة من كان في مصر فيه مائة أو يزيدون وكان في ذلك المصر أحد أورع منه (4).
فهو في قمة الورع وكذلك هو شخصية مثابرة منطلق نحو تحقيق أهدافه، لا يعرف للكسل أو الملل سبيلا.
إن مرحلة الانتظار إنما هي مرحلة بناء وإعداد الرجال الأكفاء الذين يتميزون عن غيرهم بكفاءتهم وقدرتهم على تحمل المسؤولية.