ظاهرة العدوى الاجتماعية || سماحة الشيخ أمين محفوظ
محاضرة الليلة الخامسة من محرم 1444 هـ
عن أمير المؤمنين (الناس ثلاثة : عالمٌ رباني ، ومتعلمٌ على سبيل نجاة ، وهمجٌ رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق.)
يُدرِك الإنسان بِعقله و فِطرته فضيلة الأخلاق و قُبح الرذائل ، فالعقل يدرك حُسن العدل وقُبح الظلم و حُسن الأمانة و قُبح الخيانة ، و هو الذي يدفع الإنسان لِتمثّل هذه الصفات والأخلاقيات الخيّرة .. وفي مُقابل العقل ، هناك عوامل تشد الإنسان إلى الرذيلة كالشهوات والغرائز.
ثمة عامل مؤثر يُساهم في مسير الإنسان في طريق الصلاح والخُلق الفاضل أو في الطريق المعاكس ، وهو المحيط الاجتماعي.
فالمحيط الاجتماعي عامل مؤثّر للغاية .. و هناك ظاهرة اجتماعية موجودة بِوجود الإنسان وهي ظاهرة العدوى الاجتماعية و السلوكيّة ، وهي أنّ الإنسان لديه قابلية سريعة للتقليد حينما يرى سلوكًا أو أمرًا معيّنًا فيُصبح لديه مَيلٌ لتقليده .. فخاصيّة التقليد الموجودة في الإنسان حميدة إن كانت ضمن حدود معينة ، كَتعلم المهارات و اكتساب الإمكانيات.
ولكن ثمّة مستوى من المُحاكاة يُعبّر عن مشكلة حقيقية في تكوين الإنسان ، حيث تجد سرعة التأثر في الأفكار والسلوكيات وسرعة انتشار العدوى السلوكية انتشارًا غير مستند إلى الإدراك والوعي ، وإنما هي مجرد محاكاة.
الناس تتأثر بِصورة سريعة و تُصيبهم العدوى على صعيد الأفكار والسلوكيات والعادات ، و قضية العدوى الإجتماعية من القضايا التي تُمثّل أهمّية في المجتمعات ، فنُلاحظ أن المجتمعات من سرعة التأثر قد تتلقّف بعض العادات و تنشرها انتشارًا سريعا ، مِثل موضة الملابس أو العادات الاجتماعية المُبتكرة في المناسبات الإجتماعية التي تنتشر بين الناس من باب المحاكاة.
و وسائل التواصل في أيامنا هذه قد ساعدت و سهّلت بِصورة كبيرة حالة ظهور العدوى الاجتماعية ، و أصبح يَسهُل الوصول للعادات الغريبة و المتناقضة مع القيَم والأخلاق والعادات الاجتماعية.
وهذا الصِنف من المُسارعة في التقليد يرجع للتكوين الداخلي في الإنسان بِغضّ النظر إن كان مناسبًا و لائقًا أم لا.
فأمير المؤمنين "عليه السلام" يُشير و يقسّم الناس في حديثه إلى ثلاث شرائح مختلفة :
١- عالم رباني : وهو مصدر العلم والنور لسائر البشر.
٢- المتعلم : الذي يتعلم من العالم الرباني على طريق نجاة.
٣- الهمج الرعاع : وهم من يتبعون الناس بدون وعي .. و قد بيّن الإمام "عليه السلام" نقطتين جوهريتين في هذه الفئة من الناس و الأسباب الدافعة لهم :
• البعض لديه فراغ معرفي و قيَمي و يكون ضحية لِقضيّة المحاكاة ، و تتلاعب به الريح وليس له ثقة بنفسه.
أمّا حين يتمتع الإنسان بوعي فلن يُسارع للمحاكاة دون تفكير ، و قد يتأثر بمحيطه ولكن يختار ما يتأثر به و يصطفي من الأمور الشيء المناسب.
• أهمية وجود القدوة الصالحة في حياة الإنسان ، فالأئمة "عليهم السلام" مدارس لنا و التعلق بهم سيحفظنا من الاِنسياق وراء هذه الأنواع من العدوى غير السديدة.
فالإنسان المسلم الذي عُمّر داخله بالمعرفة والقيَم لا ينبغي أن يكون بهذا المستوى في سرعة التأثّر ، بل ينبغي أن يكون شخصية مُؤثِّرة و أن لا يكون ألعوبة بِيَد الأهواء.
فبدلّا من محاكاة الأخلاق السيئة ، ينبغي أن يكون عاملًا في التأثير و تحقُّق عدوى الأخلاق الحسنة و الحميدة. قال تعالى ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾