الإمام الحسين عليه السلام... قائد متفائل
كَتَبَ الإمام الحُسين إلى بَني هاشم يَقول:
(بسم الله الرحمن الرحيم، مِنَ الحُسين بن علي إلى بني هاشم، أمّا بَعد، فإنّه مَنْ لَحِقَ بي مِنكم إستُشهِد, وَمَن تَخَلّفَ عَنّي لَمْ يَبلغ الفَتْح، والسّلام)(1)
عندما نقرأ عن الإمام الحسين عليه السلام فإنه ينبغي علينا قراءة سيرة الناجحين وذلك يعني أن نقرأ مسيرة الإصلاح، البطولة، العزة، والكرامة.
ومن الصفات المهمة في سيرته عليه السلام صفة التفاؤل الذي اصطبغت به مسيرته منذ أول يوم خرج فيه من المدينة وحتى يوم استشهاده والتي تتمثل في العديد من المواقف والمشاهد.
- من هو المتفائل؟
إن الاتصاف بالتفاؤل والنظرة الإيجابية للحياة من أجمل الصفات التي يتصف بها أي إنسان، والأشخاص المتفائلين يتميزون عن غيرهم بمجموعة من الصفات الجميلة، فلديهم طاقة إيجابية هائلة. ويمتلكون ثقة عالية بقدراتهم. ولديهم تفكير إيجابي وغيرها من الصفات.
وسنذكر لكم بعض مواقف الإمام الحسين التي تمثل التفاؤل والأمل في مسيرته.
- أولاً: رفض المثبطين
عندما قرر الإمام الحسين الخروج من المدينة جاؤوه عدة من الشخصيات تنصحه بالعدول عن خروجه أو اختيار موقع آخر ولكل موقف تحليله الخاص في الكتب المختصة.
إلا أن أحد هذه المواقف تمثل دور التثبيط وتقلل الهمة والعزيمة وعندما يكون القائد ضعيفا فكريا وليست له رؤى واضحة فإنه يستسلم لمثل هذه التثبيطات.
إلا أن الإمام الحسين عليه السلام كان متفائلا وعارفا بمستقبل مسيرته ولهذا لم يتأثر بهذه الكلمات والمواقف.
التقى الإمام الحسين بعبد الله بن مطيع العدوي فقال له: بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ما أقدمك؟ فأخبره الحسين بخبره فقال ابن مطيع: أذكرك الله يا ابن رسول الله وحرمة الاسلام ان تنتهك، أنشدك الله في حرمة رسول الله ، أنشدك الله في حرمة العرب، فوالله لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلنك: ولئن قتلوك لا يهابون بعدك أحدا ابدا، والله انها لحرمة الاسلام تنتهك وحرمة قريش وحرمة العرب، فلا تفعل ولا تأت الكوفة ولا تعرض لبني أمية، فأبى الا أن يمضي.
وفي رواية، فقال الحسين : لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا، ثم ودعه ومضى (2).
لقد رفض الإمام عليه السلام هذه الدعوة المثبطة لأنه على بصيرة من أمره.
- ثانيا: بعث الأمل
القائد المتفائل هو الذي يبعث الأمل في نفوس اتباعه، يفتح معهم صفحة جديدة من الأمل والتفاؤل، وهذا ما حدث للحر الرياحي الذي وقف أمام الإمام الحسين عليه السلام وهو مثكل بالخيبة والهموم مما فعله بالامام الحسين عليه السلام.
وقف الحر مطأطأ الرأس وهو يقول :وإني قد جئتك تائبا مما كان مني إلى ربي، ومواسيا لك بنفسي حتى أموت بين يديك، أفترى ذلك لي توبة؟!
قال الإمام : نعم، يتوب الله عليك، ويغفر لك، ما اسمك؟
قال: أنا الحر بن يزيد.
قال: أنت الحر، كما سمتك أمك، أنت الحر إن شاء الله في الدنيا والآخرة، إنزل.
قال: أنا لك فارسا خير مني راجلا، أقاتلهم على فرسي ساعة، وإلى النزول ما يصير آخر أمري!
قال الحسين : فاصنع يرحمك الله ما بدا لك(3).
هكذا يبعث القائد المتفائل الأمل في النفوس لتتحرك وتحقق الهدف.
- ثالثا: الإمام الحسين عليه السلام محفزا
القادة العظماء هم الذين يعرفون كيف يحفزون أتباعهم لمواصلة المسيرة، عبر كلماتهم ومواقفهم وهذا ما تجلى في كربلاء.
في يوم عاشوراء عند نشوب القتال تسابق أصحاب الحسين إلى القتال، فكان كل من أراد الخروج ودّع الحسين (عليه السلام) وقال: السلام عليك يابن رسول اللهّ فيجيبه:
وعليك السلام ونحن خلفك، ويقرأ : (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً) (4).
وفي موقع آخر يقول عليه السلام: صبرا بني الكرام فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضراء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة، فأيكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر؟، وما هو لأعدائكم إلا كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب (5).
إنها كلمات القائد المحفز..
- رابعا: الإمام الحسين ... راضيا مطمئنا
القائد المتفائل تجده في أصعب المواقف هادئا راضيا مطمئنا.
لقد مثّل الإمام الحسين النفس المطمئنة في أصعب المواقف، وهل هناك أصعب من مقتل عبدالله الرضيع؟!
بعد أن سدد حرملة اللعين سهمه لنحر عبدالله الرضيع وذبحه من الوريد الى الوريد... عندئذٍ وضع الحسين يده تحت نحر الرضيع حتّى امتلأت دماً، ورمى بها نحو السماء قائلاً: اللّهم لا يكن عليك أَهون من فصيلِ ناقة صالح. ثمّ قال: هوّن عليّ ما نزل بي أنّه بعين الله.
وهو القائل في دعاءه يوم عاشوراء اللَهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي فِي كُلِّ كَرْبٍ ؛ وَأَنْتَ رَجَائِي فِيكُلِّ شِدَّةٍ ؛ وَأَنْتَ لِي فِي كُلِّ أَمْرٍ نَزَلَ بِـي ثِقَةٌ وَعُدَّةٌ .
هكذا هو القائد المتفائل الذي صنع الانتصار مع ثلة من أصحابه.