من ثمار الأربعين: مواجهة أغلبية "موهومة"!

في البدء أقول: مع أنَّ الأكثرية لم تكن يوماً مقياسَ الحق، كما لم تكن الأقلية على العكس.. الا أنَّ لعنوان الأكثرية جذابيّة لا يمكن التغاضي عنها. فالإنسان موجود اجتماعي، يجعل في كثيرٍ من الأحيان فعل غيرِهِ مقياساً لفعل نفسه.. فاذا كان الأغلبية في اتجاه فإن ذلك يوحي له بصحة فعلهم. – وهذا ما ناقشته في كتاب السباحة عكس التيار-

فلذا، فالإنسان بما هو انسان، يحاول أن يوافق بين رؤيته وبين الأغلبية المحيطة به. ألا ترى كيف أنَّ الانسان يتشجع لبيان رأيه حين يرى تأييد الآخرين له ولو بهزِّ الرأس قليلا؟ ولو تفطَّن الى أن الجمع سيخالفونه فإن اغلب الناس يمتنعون عن ابداءِ آرائهم، الا قلّة صادحةٌ برأيها دون الاكتراث بموقف الآخرين، حقاً كان رأيهم او باطلاً.

هذه فطرة واضحة ولا غبار عليها. 

من هنا فإن اهل الباطل عادة ما ينتقلون الى تكتيكٍ لنسميِّه: "احتلال عنوان الأكثرية".. فهم مع كونهم قلّة قليلة، الا انَّهم يصوِّرون انفسهم يمثلون الشريحة الكبرى في المجتمع. وعادة ما يخاطبون كأنهم المتحدثون الرسميون له: "المجتمع يريد" ، "الشعب يريد" .. 

ولهذا الاحتلال آثار: منه تصويره من يخالفه بأنَّه قلة قليلة، أو حسب وصفهم للمؤمنين – كما نقلها القرآن الكريم- "شرذمة" قليلة سرعان ما تنتهي. 

أما نسمع خطاباتهم: "شوكت يخلص المجتمع منكم" .. انظر، انه جعل "المجتمع" جانباً.. و "انتم" في الجانب الآخر، كأنكم كيانٌ منفصل عنه.. أو قولهم : "شوكت تنقرضون" وكأنكم ديناصوراتٌ حجرية قفزت الزمن الى عصرٍ لا تنتمي اليه!

كلها خطاباتٌ في اتجاه واحد: هم الأكثرية ونحن الأقلية.

ولا اقصد من كلامي اسقاطات السياسة، اذ أننا في زمانٍ الكل يتحدث باسم الكل، بل الجزء صار اكبر من الكل! .. فالجميع يتحدث باسم "الشعب" وهو لا يمثِّل الى عشر معشاره. 

بل حديثي عن الجانب الديني والعقدي والثقافي، حيث محاولة انصارِ الباطل واشياع الضلال، وهم قلّة طبع الله على قلوبهم.. محاولتهم بتصوير اهل الايمان والعقيدة والالتزام على انَّهم "شرذمة" سرعان ما يحين وقت انقراضهم .. او ساعةُ قطافِهِم في بعض الحالات!

ولكن!

تأتي الشعائر، لتقول لك.. ايّاك ان تصدِّق تلك الترّهات. اذهب الى باب بيتِك، وانظر الى أيِّ زُقاقٍ و شارع، سترى موقف مجتمعك. 

هؤلاء هم غالبية أهل العراق. بين من يمشي الى سيد الشهداء ، وبين من يتفانى في خدمته.. 

كلما شككتَ في ذلك، انظر الى صور المشاية، او تذكر المشاهد التي رأيتَها بعينك

وهناك طبعاً: شرذمة قليلة على خلاف ذلك. فلتكن! نسأل الله لها الهداية، لكن لا يمكن لها ان تتحدث نيابة عن هذه الجموع بما يكذِّب فعُلها قولَه.

وهذا و ان كان في جمع شعائر الله عزوجل، كالحج والعمرة و صلاة الجماعة.. فهي أجلى في شعائر الامام الحسين .. 

ولموسم الأربعين خاصة ثمرة اضافية: العالَمية.. انَّك ترى وجوهاً مختلفةً معك في عِرقٍ و لغةٍ و موطن، وترى اعلاماً ملوَّنةً لا تعرف بعضها تمثِّل أية دولةٍ و أي شعب.. لكننا جميعاً نجتمع على مائدة واحدة، وشعار واحد: (لبيك يا حسين).

فمن ثمار هذه الشعائر: أن تعرف أنّنا في زمن الانتصارات، في زمن القوة لا الضعف، في زمن الهداية لا الضلالة.. في زمنِ التقدم لا التراجع. وينبغي أن نتعامل وفق ذلك، ونخطط وفق ذلك.

وأن اغلبية المجتمع مع الصلاح والإصلاح.. ولو وجدتَ مظاهر الإنحراف على بعضهم، فهي مظاهرٌ ترتبط بالقشرة الخارجية، ولمّا يمُسُّ الفسادُ معدنهم ولُبَّهم.

وحتى لو لم يكن الأكثرية – جدلاً-، أي مع افتراض كونهم "أقلية"، إلا أنهم ليسوا "قلّة"! 

طبعاً لا أقول أن كل من تراه عينُك مَلَكاً لا ذنب له، ولا نقص فيه.. ولكنّي أقول: حين الفِتَن، وعند مرحلة فَرزِ المُعَسكَرين، وعند تمايز الحقِّ من الباطل. سترى – قطعاً- أن الأغلبية العظمى هم طُلّاب حقٍ لا باطل، وصلاحٍ لا فساد.. 

وحتى من ابطأ به الطريق، سيصل.. ولو بعد حين!