نعم؛ أنا أتطهّر!
يا عالِم.. يا صادق .. يا أمين.. يا حسن الخلق .. أتُرى لو نوديت بها في جمعٍ، هل ستغضب على قائلها أو يحزنك ذلك؟
أبداً، بل ستعتبرها من أجمل المدائح وأعذب الإطراء، لأنها كلماتٌ تصفك بأرفع المناقب، يتمنى كل شخصٍ أن يتزيّن بها، أليس كذلك؟
ماذا لو ناداك شخصٌ بها وهو يقصد ذمك بهذه الأوصاف؟ أي يذمك لعلمك ( إن كنت عالماً) أو لصدقك أو أمانتك أو حسن خلقك ( إن كنت كذلك حقاً)، فهل سيتغير الحال أم لا؟
كلا؛ يبقى الحال كما هو عليه، لأنك تدرك جيّداً بأن ما وصفك به يبقى مدحاً وإن أراد به المقابل ذمك به!
قد تعجب من أن الناس قد يصلوا إلى مرحلة من الـ(حَوَل) في بصائرهم، حتى يرو المعروف منكراً والمنكر معروفاً _ كما أخبر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله بذلك قبل أربعة عشر قرناً_ فتنقلب الموازين عندهم وتتبدّل القيم في أذهانهم (المريضة)، فتصبح المنقبة ( تهمةً ) لابد أن يبرّء صاحبها نفسه منها، أو تصبح الخصال الجميلةَ ( شتيمةً ) يسعى الناس لتجنبّها، كما حصل ذلك مع قوم لوط:
حيث أنّهم لم يجدوا عيباً على لوطٍ عليه السلام واسرته (عدا زوجته)، إلا أنهم يتنزّهون عن مجاراتهم في رذيلتهم وممارساتهم الفاحشة والمخالفة للفطرة، فقالوا _ كما حكى الله سبحانه قولهم_ : ( أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُون)
فهل أصبح الطهر والتطهّر تهمةً وشتيمةً للإنسان؟ وهل على الطاهر أن يتأثر سلباً بهذا الأمر أم يشكر ربّه على أن وفقّه للصمود أمام مغريات التنجّس برذائل القوم؟
وفي عالمنا اليوم نجد الأسلوب ذاته يتكرر، فعلى المستوى العالمي، نجد الضخّ الإعلامي والثقافي الكبير في إتجاه رذيلة اللواط تحت مسميّات جديدة وشعارات جميلة، مدعومةً من قِبل الدول الكبرى، من أجل ترويج شهوةٍ منحرفة عن الفطرة السوية، ومرفوضةٍ من جميع الأديان السماوية، حتى بات مخالفة هذا التوجّه (الغربي) جريمةً نكراء، فيواجَه بهجماتٍ عنيفة لا مثيل لها، ليس ذلك إلا لأنه ( يتطهّر) !
أما في بلداننا فقد يتكرر الأمر ولكن بصورةٍ أخرى، حيث ترى الشاب المؤمن إذا أنكر منكراً، أو دعى إلى معروفٍ، فإنه يجد نفسه أمام قائمة من المدائح التي توجّه إليه لكن بعنوان الشتيمة أمثال : ها صاير متدين!؟ ها صاير خيّر!؟ شنو إنته مومَن ( مؤمن)؟ و..
وفي كلتا الحالتين، يقف المؤمن العاقل شامخاً، معتزّاً بعزّة الله التي يهبها لعباده المؤمنين، ويقول بكل فخر:
نعم أنا أتطهّر!
نعم أنا متديّن!
نعم أنا مؤمن!