قضية الإمام الحسين عليه السلام: عناية شيعية أم سر إلهي؟
كثيراً ما يتساءل بعضهم عن الدواعي والأسباب التي تدعو الشيعة للعناية الشديدة بإحياء مصيبة عاشوراء، وتجديدها في كل عام، حيث تستنفر جميع طاقاتهم، ويحيون هذه المناسبة أكثر من عشرة أيام في جميع أنحاء العالم، خصوصاً أن ما جرى على الحسين في كربلاء قد مضى عليه أكثر من أربعة عشر قرناً، ولعل الإمام الحسين الآن في أعلى عليين في الجنة، والشيعة يبكون عليه ويندبونه ويلطمون عليه!!
بل ربما يتصور من يخالف الشيعة أن إحياء هذه المناسبة لا معنى له، ولا حاجة له أصلا!!
- للجواب عن ذلك نقول:
إن أهم الدواعي والأسباب التي تدعو الشيعة لشدة العناية بإحياء مصيبة الإمام الحسينفي عاشوراء أمران:
الأمر الأول: التعبد :
فإن أئمة أهل البيت أمروا شيعتهم بإحياء ما جرى على الإمام الحسين في كربلاء بعدة أنحاء، منها:
- 1- البكاء عليه:
فقد روي عنهم في فضل البكاء على الإمام الحسين ما لا يحصى كثرة من الروايات التي بلغت حد التواتر:
منها: ما رواه ابن قولويه قدس سره في (كامل الزيارات) والشيخ الصدوق قدس سره في ثواب الأعمال بسند صحيح عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين، قال: من قطرت عيناه فينا قطرة ودمعت عيناه فينا دمعة، بوَّأه الله بها في الجنة غُرَفاً يسكنها أحقاباً. (كامل الزيارات: 201، ثواب الأعمال: 83).
ومنها: ما رواه ابن قولويه أيضاً بسنده عن أبي هارون المكفوف، عن أبي عبد الله في حديث طويل له قال: ومن ذكر الحسينعنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذباب، كان ثوابه على الله عز وجل، ولم يرض له بدون الجنة. (كامل الزيارات: 202).
- 2- إنشاد الشعر فيه :
والروايات في ذلك صحيحة وكثيرة، منها: ما رواه ابن قولويه في (كامل الزيارات) بسنده عن صالح بن عقبة، عن أبي عبد الله قال : من أنشد في الحسين بيت شعر فبكى وأبكى عشرة فله ولهم الجنة، ومن أنشد في الحسين بيتاً فبكى وأبكى تسعة فله ولهم الجنة، فلم يزل حتى قال: من أنشد في الحسين بيتاً فبكى - وأظنه قال: أو تباكى - فله الجنة.
- 3- زيارته :
والأحاديث الواردة عن أئمة أهل البيت في فضل زيارة الإمام الحسين لا تحصى كثرة، بل بلغت حد التواتر، ويلاحظ فيها أمران:
أولاً: ما دلَّ على كثرة ثواب زيارته :
منها: ما رواه الكليني في الكافي بسنده عن مثنى الحناط، عن أبي الحسن الأول ، قال: سمعته يقول: من أتى الحسين عارفاً بحقّه غفر له ما تقدّم من ذنبه وتأخّر. (الكافي 4/582).
ثانياً: في كثرة الحث على زيارته:
فقد وردت الروايات الكثيرة في الحث على زيارة الإمام الحسين في أيام كثيرة خلال العام، مثل: يوم عاشوراء، ويوم الأربعين وهو العشرون من صفر، وأول رجب ووسطه وآخره، وفي النصف من شعبان، وليلة القدر، ويوم العيدين، ويوم عرفة وغيرها. وفي كل جمعة من كل أسبوع، بل في جميع أيام العام.
فقد روى الكليني قدس سره بسنده عن بشير الدهان، قال: قلت لأبي عبد الله : ربما فاتني الحج فاعرِّف عند قبر الحسين؟ فقال: أحسنت يا بشير، أيما مؤمن أتى قبر الحسين عارفاً بحقّه في غير يوم عيد كتب الله له عشرين حجة وعشرين عمرة مبرورات مقبولات، وعشرين حجة وعمرة مع نبي مرسل أو إمام عدل، ومن أتاه في يوم عيد كتب الله له مائة حجة ومائة عمرة ومائة غزوة مع نبي مرسل أو إمام عدل، قال: قلت له: كيف لي بمثل الموقف؟ قال: فنظر إليَّ شبه المغضب، ثم قال لي: يا بشير إن المؤمن إذا أتى قبر الحسين يوم عرفة، واغتسل من الفرات، ثم توجّه إليه، كتب الله له بكل خطوة حجّة بمناسكها - ولا أعلمه إلا قال: وغزوة -. (الكافي 4/580).
- 4- ذكر الإمام الحسين عند شرب الماء:
فقد روى الكليني في الكافي وابن قولويه في كامل الزيارات بسندهما عن داود الرقي، قال: كنت عند أبي عبد الله إذ استسقى الماء، فلما شربه رأيته قد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه، ثم قال لي: يا داود لعن الله قاتل الحسين ، فما من عبد شرب الماء فذكر الحسين ولعن قاتله إلا كتب الله له مائة ألف حسنة، وحطَّ عنه مائة ألف سيئة، ورفع له مائة ألف درجة، وكأنما أعتق مائة ألف نسمة، وحشره الله تعالى يوم القيامة ثلج الفؤاد. (الكافي 6/391، كامل الزيارات: 212).
- 5- عظم ثواب السجود على تربة قبره ، واستحباب اتخاذ سبحة من تراب قبره.
فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره في كتاب من لا يحضره الفقيه عن الإمام الصادق قال: السجود على طين قبر الحسين ينوِّر إلى الأرض السابعة، ومن كان معه سبحة من طين قبر الحسين كتب مسبّحاً وإن لم يسبّح بها. (من لا يحضره الفقيه 1 /268).
وروى الشيخ الطوسي قدس سره في مصباح المتهجد عن معاوية بن عمار، قال: كان لأبي عبد الله خريطة ديباج صفراء، فيها تربة أبي عبد الله فكان إذا حضرته الصلاة صبَّه على سجادته وسجد عليه، ثم قال : السجود على تربة أبي عبد الله يخرق الحجب السبع. (مصباح المتهجد: 733).
الأمر الثاني: أن الله تعالى له سر عظيم في الإمام الحسين حيث شاءت إرادته سبحانه أن تبقى مصيبته حية حارة في وجدان المؤمنين إلى يوم القيامة.
فقد روى محمد بن همام في كتاب الأنوار عن أبي عبد الله الصادق أن رسول الله قال: إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً.
ثم قال : بأبي قتيل كل عبرة. قيل: وما قتيل كل عبرة يا ابن رسول الله ؟ قال: لا يذكره مؤمن إلا بكى. (جامع أحاديث الشيعة 12/556).
وروى ابن قولويه بسنده عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله : قال الحسين بن علي: أنا قتيل العبرة، لا يذكرني مؤمن إلا استعبر. (كامل الزيارات: 215).
وهذا هو الملاحظ بوضوح، فإن الشيعة يبكون الإمام الحسين بحرقة طول العام، ولا تبرد حرارة قتله في نفوسهم، وهذا من الأسرار الإلهية الخاصة به .
ولهذا فإن كل المحاولات التي بذلت للقضاء على قضية الإمام الحسين أو لاستنساخ قضيته في آخرين غيره باءت بالفشل الذريع.
وقد سمعت من السيد أحمد الأشكوري حفظه الله أنه لما ذهب بمعية السيد عبد العزيز الطباطبائي رحمه الله إلى مكتبة الفاتيكان، رأى فيها كثيراً من كتب المراثي الحسينية باللهجة الدارجة، مثل مراثي ابن نصار، وابن فايز وغيرهما، فسألا عن فائدة اقتناء مثل هذه الكتب التي لا تصلح إلا لخطباء المنبر الحسيني؟ فقال عميد المكتبة: إن الفاتيكان أرادت أن تستنسخ قضية الحسين، وتجعلها في السيد المسيح، فأرادت أن تستفيد من التجربة الشيعية، فاقتنت هذه الكتب، وكونت لجنة لذلك، لكن المحاولة باءت بالفشل.
مضافاً إلى أن الشيعة يرون أن ما جرى على الإمام الحسين ينبغي أن يخلد في عقول ووجدان الأمة، لما فيه من العظة والعبرة، فلا يصح لومهم على إحياء ذكرى مصيبته خصوصاً أن جميع الدول تقريباً في هذا العصر تحتفل بمناسبات وطنية، وتحييها كل عام؛ لوقوع حوادث مهمة يراد إبقاؤها حية في وجدان الشعوب، وقضية الإمام الحسين عليه السلام أيضاً قضية مهمة، ينبغي إحياؤها للعظة والاعتبار في كل عام.
إن قلت: إن جميع هذه الأحاديث لم تثبت عندنا، وأننا لا نعتقد أن أئمة أهل البيت أمروا الناس بذلك.
نقول: نحن قد ثبت عندنا ذلك بالروايات الصحيحة بل المتواترة عن أهل البيت والشيعة لا يتبعون غير أئمة أهل البيت ولا يقلدونهم، ولا يهمهم ماذا ثبت عند غيرهم.
كما أن الشيعة لا يطالبون غيرهم بإحياء مصيبة الحسين والبكاء عليه، وإقامة مآتمه، فمن لا يريد إقامة مآتم الحسين فهذا شأنه، ولا شأن للشيعة به، وكلامه لا يهمهم في شيء؛ فإن الله تعالى أنعم عليهم بهذه النعمة العظيمة، وحرم غيرهم منها، والحمد لله على ذلك.