الشيرازي : مِنْ فِقْهِ اَلنَّهْضَةِ اَلْحُسَيْنِيَّةِ
(1)
يشكّل قول الإمام الحسين :
أَنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَلَا بَطِراً وَلَا مُفْسِداً وَلَا ظَالِماً وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي.
تلخيصاً مذهلاً في إيجازه ودقته وروعته، لفلسفة النهضة الحسينية
في جانبي السلب والإيجاب وما لم يخرج لأجله وما خرج لأجله.
(2)
يمنحنا سيد الشهداء في كلمته الخالدة:
أَنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَلَا بَطِراً وَلَا مُفْسِداً وَلَا ظَالِماً وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي المقاييس التي على ضوئها يجب أن تقيم الثورات والحركات والاحتجاجات السياسية والاجتماعية، على مر التاريخ: فلا ظلمَ ولو لشخصٍ.. ولا إفسادَ ولو لأرضٍ.. ولا أشَرَ ولو بحدّه الأدنى.. ولا بَطَرَ ولو بشكله الأخفى..
(3)
متى يتخذ العلماء والأساتذة والمفكرون
كلمة الإمام الحسين المدوّية عبر التاريخ
أَنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَلَا بَطِراً وَلَا مُفْسِداً وَلَا ظَالِماً وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي
محوراً لدراسات معمقة في مراكز الدراسات؟ ومداراً لبحوث موسعة في الجامعات؟
ومنطلقاً للتعليم والتربية في مختلف المراحل الدراسية في المدارس الحكومية والأهلية وفي الحوزات العلمية؟
(4)
هل يقوم علماء فقه الحديث وفقه اللغة والأدباء والخطباء
والمتخصصون في علم النفس وعلم الاجتماع السياسي،
بتسليط الأضواء على المغزى العميق الذي تحمله المفردات
الخمسة المتألقة في قوله :
أَنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَلَا بَطِراً وَلَا مُفْسِداً وَلَا ظَالِماً وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي
ذلك انّ لكل مفردة منها أبعاداً وأغواراً وأعماقاً وبطوناً، كما لها
ظواهر ومظاهر وألوان ومصاديق في حياتنا المعاصرة فما هي؟.
(5)
الأصالة والروعة يتجليان بأبهى الصور في المصطلحات الخمسة التي اختارها
الإمام الحسين لرسم معالم ثورته الخالدة.. ذلك انها بأجمعها
مفردات قرآنية تحمل صفة الخلود، كونها تحدد أصناف المجتمع وشرائحه على امتداد التاريخ.
ويزيدها روعة انها تنوعت بين:
أ- محكمات، عندما ينفي عليه السلام كونه ظالماً ومفسداً، ويكرّس كونه مصلحاً.
ب- ومتشابهات وذلك حينما ينفي كونه أشِراً أو بَطرِاً باعتبار انّ هاتين
الكلمتين تحملان أكثر من معنى على أقرب الاحتمالين.
(6)
قال الإمام الحسين : (أَنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَلَا بَطِراً وَلَا مُفْسِداً وَلَا ظَالِماً وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي صلى الله عليه وآله)
ولكن ماذا يعني البطر؟
إنّ البطر يحمل بين جنباته معاني متعددة:
أولاً: البطر يعني التبختر والاستطالة والاستعلاء على الآخرين، وليس ذلك من شأن الإمام الحسين ولا من مواصفات الحسينيين أبداً، بل هم ترابيون في أنفسهم متواضعون لشعبهم مُخبِتون لربّهم (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذينَ لا يُريدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقينَ) (سورة القصص: الآية 83) – يتبع
(7)
ثانياً: والبَطَر يعني: الطغيان عند تتالي النعم أو نتيجة طول الغِنى.
فكم ابطرت كثرةُ الأموال والممتلكات أشخاصاً؟
وكم أفسدت الشهرةُ والرياسةُ شخصياتٍ؟
وكم اطغت القوةُ رؤساءَ حكوماتٍ وقادةَ أحزابٍ؟
ومِن الإمام الحسين نتعلم ان لا تبطِرَنا النِّعَم: لا القوة والرياسة ولا الأموال والوجاهة ولا سعة العلاقات وكثرة المعلومات.
فمن طغى في البلاد أو تجبّر على العباد فليس حسينياً كائناً من كان. يتبع…
(8)
ثالثاً: والبَطَر يعني: الدَّهَش والحَيْرة
والثورة الحسينية تميّزت بوضوح الرؤية ونفاذ البصيرة وشفّافية الأهداف والرسالة.
أما الثوار، على مر التاريخ، فيعانون من الحيرة إما في المنطلقات أو في المآلات،
وإما في السُّبُل والآليات أو في الأسقف والجداول الزمنية أو في الأفضل من بين البدائل. يتبع…
(9)
رابعاً: والبَطَر يعني: (كراهة الشيء من غير ان يستحق الكراهة)
والثوار والقادة والرؤساء وكثير من الناس يكرهون المعارَضة والمنافِسين وحتى المستقلين إما لأسباب شخصية أو لاختلاف الآراء أو لتضارب المصالح الحزبية والفئوية والطبقية والعرقية.
أما الإمام الحسين فانه لم يخرج على يزيد وعلى الوضع القائم إلا كراهةً للظلم والإجحاف وتشييداً لأركان العدالة والإنصاف ومِن أجلِ إصلاح شؤون العباد والبلاد، فلننظر على أي المنهجين نحن سائرون؟
(10)
قال الإمام الحسين : (وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي صلى الله عليه وآله)
والإصلاح رسالة الأنبياء وهو مبدأ من المبادئ القرآنية (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ).
(واصلح)
كما ان حُسنه/ وجوبه مندرج في دائرة المستقلات العقلية وهو، إلى ذلك، مطلب جماهيري عام، وحلم من أحلام البشرية المعذَّبة.
▪️ ولكن كم واحداً منا وطّن نفسه على دفع الثمن؟
▪️ وفي شهر المحرم.. من الإمام الحسين نتعلم.. أن نسير على درب الإصلاح الشائك، وان ندفع الثمن بالغاً ما بلغ..
(11)
قال الإمام الحسين :(وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي صلى الله عليه وآله)
ولكن ما هو الإصلاح الذي خرج لأجله؟ إنّه:
*أولاً:* الإصلاح السياسي، بمناهضة استبداد الحكام ومواجهة استئثار الطغاة ومكافحة تجبّر الأقوياء.
ثانياً: الإصلاح الاجتماعي، بتحكيم العدل وتعميم الإحسان، والتنافس في إصلاح ذات البين وقضاء حوائج الاخوان.
ثالثاً: الإصلاح الحقوقي، بإعطاء كل ذي حق حقه فان (الذَّلِيلُ عِنْدِي عَزِيزٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ لَهُ وَالْقَوِيُّ عِنْدِي ضَعِيفٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ).
ونحن في زمن الغيبة الكبرى بـ (اصْبِرُوا عَلَى الْفَرَائِضِ وَصَابِرُوا عَلَى الْمَصَائِبِ وَرَابِطُوا عَلَى الْأَئِمَّةِ (عع ) مأمورون وبالمحافظة على أهداف نهضته المباركة، مطالَبون.