حديث الجمعة 21 ربيع الآخر 1446هـ .
الجزءُ الثَّالثُ مِنْ سِلْسِلَةِ التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ
التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ بَيْنَ العَامِ والخَاصِ ( 1 )
قَالَ تَعَالَى : ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)
تَحَدَّثْنَا فِي الجمعةِ السّالفة فِي الجزءِ الثّاني مِنْ سلسلةِ أحاديثنا فِي موضوعِ ( التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ ) عَنِ الحَواضِنِ العلميةِ لِمَنْ يَطْلِبُونَ التَّفَقُّةَ فِي الدِّينِ وَالذينَ يُعْرَفُونَ باسم (طلَّابِ العلومِ الدِّينيةِ) وعَرَفْنَا أَنَّ هَذهِ الحَواضِنَ هي الحوزاتُ العلميةُ المباركةُ والتي ساهمتْ فِي حفظِ الدِّين وبَلَّغَتْ شَريعةَ سيّدِ المرسلين صلواتُ اللهِ عَليه وَعَلَى آلهِ أَجمعين والأكثرُ مِنْ ذَلك أَنَّهَا حَافَظَتْ عَلَى استقلالِهَا الدِّينِي والرَّسمِي عَنْ أَي سلطةٍ أو قوةٍ أو دولةٍ وهكذا نَتَجَ منها الفقهُ الشّيعيُّ المتطوِّرُ والمجدِّدُ والمستقلُ عَنْ مَرَاكِزِ القوةِ والقرارِ .
- وَكُنَّا قَدْ تَوَقَفْنا عند ثلاثة أسئلة وهي:
السؤال الأوّل : هل تَنْحصرُ دراسةُ العلومِ الدّينيةِ في الحوزاتِ العلميةِ فقط دُونَ غيرِهَا ؟
وَلِمَعرفةِ الجَوَابِ على هذا السؤالِ علينا أَنْ نَعْرِفَ مَراحِلَ الدِّراسةِ الدِّينيةِ ومُستَوياتها ومَنَاهِجِهَا.
تَتَوَزَّعُ الدِّرَاسةُ الدِّينيةُ علَى ثَلَاثِ مَرَاحلَ وَهِي :
المرحلةُ الأولى : هي دراسةُ المُقَدِّمَات أو المُقَدَّمات وهي : مجموعةٌ مِنْ الدّروسِ فِي الفقه والأُصول والمنطق واللّغةِ العربيةِ )
وَهِي تَزيدُ وتنقُصُ ، وتضيقُ وتتوسَّعُ وتختلفُ فِي المناهج بين حوزةٍ وأُخرى وقَدْ مَرَّتْ هذه المرحلةُ بتطوراتٍ تاريخية حتَّى استقرَّتْ عَلَى وضعِهَا الحَالي
المرحلةُ الثَّانيةُ : هِي دروسُ السّطوح وهى دروسٌ معروفةٌ ومن مناهِجَ مُحَدَّدَةٍ ومُتَعَارفٍ عليها في الحوزات العلميةِ في الفقهِ والأصولِ وفي اللّغة العربيةِ وآدابها أيضًا.
المرحلةُ الثّالثةُ : هي دروسُ بَحْثِ الخارج وهي الدّروسُ التي يجبُ أَنْ يكونَ فيها المُدَرِّسُ مجتهدًا ليقومَ بِتَعْلِيمِ الدَّارِسِ كَيفية استنباطِ الأحكامِ الشَّرعيةِ من أَدِلتِها وَهي القرآنُ والسُّنَّةُ باستخدام أدواتِ الاستنباطِ المقررةِ في علومِ الحديثِ والفقهِ والأصولِ واللّغةِ العربيةِ.
المرحلتان الأولى والثّانية ( المُقَدِّمَات والسّطوحُ ) لا تنحصرُ دراستُها في الحوزات العلميةِ المتخصصةِ في الحاضرتين العلميتين (قمٍ المقدّسَة) وَ (النَّجفِ الأشرف) ويستطيعُ طالبُ العلومِ الدِّينية تحصيلها عندَ السّادة والعلماء والمشايخ الكرام في بيوتهم أو في الحوزات العلميةِ المحليةِ وهكذا يحصل الطّالبُ على العلم في هاتين المرحلتين وهو في بيئته ومجتمعه ومن أهلِ العلمِ في بلدهِ بدون عناء السّفرِ والغربةِ عن الوطن.
وبلادُنا اليومَ وبحمد الله وكرمهِ ولطفهِ وتوفيقهِ فِي القطيفِ والأحساءِ والمدينةِ المُنَوَّرَةِ تحظى بحوزاتٍ علميةٍ محليةٍ وفيها مُدَرِّسُونَ أَكفَاء من أهلِ العلمِ والفضيلةِ لا يقلُون في مستواهُمْ العلمي عن نُظَرَائِهِم من المُدَرِّسِينَ فِي الحوزاتِ العلميةِ الخارجيةِ.
نعم يبقى الكلامُ في المرحلةِ الثّالثةِ وَهِي مَرْحَلةُ التَخَصّصِ والاجتهادِ والمعروفَةُ بِمرحلةِ درسِ بحث الخارجِ وهي أيضًا موجودةٌ بِقَدرٍ ما في بلادِنا وللهِ الحمدُ وعندنا مجموعةٌ من العلماءِ الحاصلينَ على دَرَجَةِ الاجتهادِ، وَلكن تَبقى الحوزتانِ الشَّرِيفتَانِ في قم المقدّسةِ و النّجفِ الأشرف أكثرَ تخصصًا وتنوعًا وعُمْقًا وأكثرَ عددًا في الدّروسِ والمدرسِينَ وكذلك في تَوافُرِ الكتبِ والمجلداتِ والتّحقيقات والرّسائل العلمية الرافِدةِ والداعمةِ لمرحلةِ التّخصصِ والاجتهادِ ، مِمَّا يَسْمَحُ للطالب في تَنَوُّعِ الخياراتِ المتاحةِ له في طَلَبِ العلم أكثرَ ممَّا هو في الحوزاتِ المحليةِ.
وَكُلُّ المراحلِ الثلاثِ المذكورة في الدّراسةِ الدّينيةِ: المقدّماتِ والسّطوحِ وبحثِ الخارجِ) هي الآن مُتَاحَةٌ في المواقعِ الالكترونية، ويستطيعُ الراغبُ في دِراسة العلوم الدِّينية أنْ يُرَتِّبَ لنفسه دراسةً ذاتية مع الاستعانة بآلافِ الدّروسِ المُسَجَّلَةِ صوتًا أو صوتًا وصورةً، وبعضُهَا بالبث المباشِرِ اليومي من حوزَتَي النّجف وقم (On Line).
هذا هو جَوَابُ السّؤالِ الأوّلِ مَع مراعاةِ الاختصار، ولكيلا نطيلَ علَيكُم سَنُكمِلُ الحديثَ في الجمعةِ القادمةِ إنْ شَاء اللهُ تعالى وسنحاولُ الإجابةَ عَلَى السُّؤالِ الثّانِي وهو :
هل الدّراسةُ الدّينيةُ الحوزويةُ مُتَاحَةٌ فقط لِمَنْ يرغبونَ في الالتحاقِ بِسِلك من يسمونهم (رجالَ الدِّينِ) في المجتمع ؟
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ وصلّى اللهُ على سيدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطّيّبينَ الطَّاهِرينَ