نسك في مغتسل العشق

فاطمة محمد الحبيب

 

ارْكُضْ بِرِجْلِكَ يَا مَنْ مَسَّهُ سَغَبُ
وَقِفْ بِبَابٍ بِهِ الأَمْلَاكُ تَحْتَجِبُ

كُلٌّ بِمُغْتَسَلِ العُشَّاقِ مَنْسَكُهُ
كُلٌّ يُرَدِّدُ إِنِّيْ مُدْنَفٌ وَصِبُ

كُلٌّ يَلُوْذُ.. هُنَا الأَرْوَاحُ مَهْجَعُهَا
لَهَا تَفِرُّ يَتَامَى النَّبْضِ.. تَنْقَلِبُ

هُنَا السَّكِيْنَةُ أَكَوَابٌ يُطَافُ بِهَا
شَرَابُ وَجْدٍ.. مَعِيْنٌ سَائِغٌ عَذِبُ

هُنَا وُجُوْدٌ يَسُوْقُ الجُوْدَ فِي أَمَلٍ
وَلَسْتُ أَدْرِيْ أَيَقْضِيْ الحَقَّ إِذْ يَجِبُ

فَاخْفِضْ جَنَاحَكَ وَاكْشِـفْ صَدْرَ أُمْنِيَةٍ
كَانَتْ كَطَيْرٍ مِنَ الأَوْهَامِ تَضْطَرِبُ

وَقُلْ سَلَامٌ عَلَى الحَوْرَاءِ مَا بَقِيْتْ
مِنَ الدُّهُوْرِ لَيَالٍ أَوْ مَضَتْ حُقَبُ

سَلِّمْ عَلَيْهَا سَلَامَ العَارِفِيْنَ بِهَا
فَإِنَّهَا فَيْضُ لُطْفٍ.. بَلْ لَهُ سَبَبُ

لِكَعْبَةِ الطُّهْرِ آتِيْ اليَوْمَ مُزْدَلِفًا
مَا دَامَ مِيْزَابُهَا بِالعَطْفِ يَنْسَكِبُ

لِفَرْعِ دَوْحَةِ طَهَ أَبْتَغِيْ سَكَنًا
وَمَا سِوَاهَا أُنَادِيْ حِيْنَ أَغْتَرِبُ

فَإِنْ وُهِبْتُ كَمَالَ الحُبِّ سَامَرَنِيْ
رَوْحٌ مِنَ القُدْسِ إِذْ لَمْ يَضْعُفِ الطَّلَبُ

وَإِنْ مُنِعْتُ انْبِعَاثَ الرُّوْحِ كَيْفَ بِهَا
مُرْتَاعَةً.. شَفَّهَا الإِعْيَاءُ وَالنَّصَبُ

يُوْحَى إِلَيَّ صَلَاةُ اللَّيْلِ مُهْجَتُهَا
فَأَدْرِكِ السِّرَّ.. فَهْيَ السِّرُّ وَالأَرَبُ

فَلَيْسَ إِلَّا صَلَاةُ الزَّادِ أَرْفَعُهَا
قُرْبَانَ نَجْوَايَ لَا مَا خَطَّهُ الأَدَبُ

تَبَسَّمَ الزَّهْرُ فِي تَسْبِيْحِ أَوْرِدَتِيْ
وَأَمْطَرَتْ عِطْرَهَا مِنْ بَوْحِيَ السُّحُبُ

وَمَا يَزَالُ يَرِفُّ السِّرْبُ فِي لُغَتِيْ
فِي دَهْشَةٍ لِرَحِيْقِ الطُّهْرِ يَنْجَذِبُ

فَاليَوْمَ نُوَّارَةُ البُشْرَى تَصُبُّ عَلَى
أَحْدَاقِنَا زَيْنَبًا فِي قَلْبِهِ ذَهَبُ

وَاليَوْمَ يَزْهُوْ بِوَجْهِ الغَيْبِ زَنْبَقُهَا
يُرِيْقُ صُبْحًا فَلَا يَغْفَى لَهُ هَدَبُ

فَيا ابْنَةَ الوَحْيِ آتِيْ وَالسَّنَا بِدَمِيْ
أُمَرِّرُ البَهْجَةَ الكُبْرَى وَأَرْتَقِبُ

يَا عِطْرَ سُنْبُلَةٍ فِي فَيْءِ ذَاكِرَةٍ
مَا زَالَ حَقْلُ رُؤَاكِ وَارِفٌ خَصِبُ

وَقْتِيْ أُنَاغِـيْهِ مُذْ أَنْ كُنْتُ فِي وَطَنٍ
فَرَاشَةً.. كُلَّمَا سَالَ الظَّمَا تَثِبُ

وَكُنْتُ أُخْلَقُ مِنْ كَفَّـيْكِ رَاوِيَةً
تَنَزَّلَتْ فَتَهَاوَتْ دُوْنِيَ الحُجُبُ

وَكُنْتُ فِي خَيْمَةِ الذِّكْرَى تُخَضِّبُنَيْ
حِكَايَةُ الصَّبْرِ لَا مَا أَذْكَتِ الحَطَبُ

مَاذَا رَأَيْتُ؟ رَأَيْتُ الطُّهْرَ قَدْ قَرَأَتْ
لَقَدْ رَأَيْتُ جَمَالًا آيُهُ النُّوَبُ

وَكُنْتُ أَكْبُرُ.. لَكِنْ مَا كَبُرْتُ عَلَى
صَوْتِ الجَمَالِ الَّذِيْ صَلَّتْ بِهِ النُّجُبُ

يَنْدَاحُ مِنْ خَطْوِهَا المِعْرَاجُ بَوْصَلَةً
تُشِيْرُ لِلْغَائِبِ المَأْمُوْلِ تَلْتَهِبُ

مَا كَانَ فِي مِعْصَمَيْهَا القَيْدُ مُفْرَدَةً
إِلَّا كَسِلْسِلَةٍ فِي صَمْتِهَا خُطَبُ

حَوْرَاءُ.. سَيِّدَتِيْ أَنْتِ الأَمِيْرَةُ فِي
قَلْبِ الوُجُوْدِ.. جَمَالٌ زَانَهُ نَسَبُ

أَنْتِ الرَّشِيْدَةُ مَنْ أَوْرَثْتِنَا أَدَبًا
مِنْ تَلِّ عِزٍّ فَتَرْقَى بِاسْمِهِ الرُّتَـبُ

غَيْبًا، شُهُوْدًا تَلَوْنَا الوِرْدَ فِي جَذَلٍ
إِنَّ العَقِيْلَةَ فِي آيَاتِنَا عَجَبُ