كذب الوقاتون

حديث السبت ٣ رجب ١٤٤٦ هج ٤ يناير ٢٠٢٥م

شبكة مزن الثقافية
سماحة الشيخ جواد آل جضر
سماحة الشيخ جواد آل جضر

لا شك أنّ الاعتقاد بالإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشّريف وبظهوره وظهور الحق على يديه وأنّه يملأ الأرضَ قسطًا وعدلًا بعد أنْ ملئت ظلمًا وجورًا هو من صلب العقيدة عند كلّ المسلمين مع اختلافات معدودة موجودة في كتبِ كلِّ المذاهب ، بل هي عقيدة لغير المسلمين أيضًا وتعرف بعقيدة ( المُخلِّص ).

 

  •  اهتم علماء الشّيعة بهذا الموضوع وأفردوا له كتبًا سميت بالغيبة ومن أشهرها ( غيبة النّعماني ) و ( غيبة الصّدوق) و( غيبة الطوسي) وجمعوا في هذه الكتب من الرّوايات كلَّ ما يتعلق بالإمام المهدي من الولادة وحتى الظهور، وأيضًا ما بعد ظهوره وتأسيس حكومته صلوات الله وسلامه علیہ، وأيضًا روايات التمحيص والغربلة التي تعلل تأخر ظهوره صلوات الله وسلامه علیہ .

ومن أشهرها وأقدمها :

1- كتاب الغيبة للشّيخ الصّدوق وهو : أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي وهو أحد الأربعة المشهورين بجمع الأخبار وهو مؤلف كتاب ( من لايحضره الفقيه ) أحد الكتب الأربعة التي تشكل أهم مصادر الرّوايات عند الشيعة وتوفي في سنة 306هـ.
2- كتاب الغيبة للنعماني وهو : الشيخ الأجل محمد بن إبراهيم بن جعفر النّعماني نسبة لبلدة النعمانية في العراق والتي تقع بين واسط وبغداد، وتوفي في حدود سنة ٣60 هـ ويعرف بأبي زينب النعماني وأيضًا يلقّب بالكاتب.

3- كتاب الغيبة للشيخ الطّوسي المعروف بلقب شيخ الطائفة، وهو أبو جعفر محمد بن الحسن الطّوسي المتوفى سنة ٤٦٠هـ .

  •  وفي وقتنا الحالي امتلأت المكتبة الشيعية بالكثير من الكتب والدّراسات عنه عجّل الله تعالى فرجه الشّريف بل وتأسست مراكز بحثية ودراسية مختصة فقط في شأن الإمام المهدى عليه السّلام ومنها مركز الدّراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السّلام التّابع لمرجعية السّيّد علي السّيستاني حفظه الله.
  •  الروايات المحشودة والمسطورة في الكتب والمصادر القديمة والحديثة تخضع كغيرها من الرّوايات لقوانين وقواعد علم الحديث في الرّد والقبول والاعتبار والتّصنيف بين مقبول وحسن وقوي وضعيف ومكذوب وموضوع وأيضًا لقوانين وقواعد علم الرّجال في توثيق الرّواة وتصنيفهم .
  •  وكلّ ما يتعلق به عليه السلام من الرّوايات خضعت للدّراسة والتحقيق من جهابذة العلم والتحقيق وقالوا رأيهم فيها وأخضعوها للتصنيفات المعروفة في علم الرّواية والدّراية وناقشوها سندًا ومتنًا.
  •  وفي باب علامات الظهور قسّمها المحققون وبالاستفادة من الرّوايات إلى علامات حتمية وعلامات غير حتمية.
  •  ومن أهم ما ورد في باب الظهور هي روايات ( كَذَبَ الوَقَّاتُونَ ) والتي تنهى عن الجزم والقطع وتحديد سنة الظهور ووقته .
  •  ومن روايات النهي عن التوقيت نستشهد بروايات من كتاب غيبة الشيخ الطّوسي رضوان الله عليه في الجزء الأول من ٤٤٦ :
  •  الرّواية الأولى : عن الفضيل قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام هل لهذا الأمر وقت ؟ فقال:" كَذَبَ الوقَّاتُونَ ، كَذَبَ الوقَّاتُونَ ، كَذَبَ الوقَّاتُونَ " .

                      [ توضيح الوقّاتون: جمع وقّات وهو من يعطي وقتًا محددًا لظهوره صلوات الله وسلامه عليه]. 

 

  •  الرّواية الثّانية: عن الفضل بن شاذان بسنده عن الإمام الصّادق علیه السّلام قال : " كَذَبَ الْمُوَقِّتُونَ، مَا وقَّتْنَا فِيْمَا مَضَى وَلَا نُوَقِّتُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ ".
  •  الرّواية الثّالثة : أيضًا عن الإمام الصّادق عليه السّلام يرويها عبدالرحمن بن كثير في جواب مهزم الأسدي قال : أخبرني جعلت فداك: متى هذا الأمر الذي تنتظرونه؟ فقد طال ، فقال : " يَا مَهْزَمُ كَذَبَ الوَقَّاتُونَ، وَهَلَكَ المُسْتَعْجِلُونَ، وَنَجَا المُسَلِّمُونَ، وَإِلَيْنَا يَصِيرُونَ ".
  •  الرّواية الرّابعة : يرويها أيضًا الفضل بن شاذان عن الإمام الصّادق عليه السّلام قال :          " مَنْ وَقّتَ لَكَ شَيْئًا فَلَا تَهَابَنَّ أَنْ تُكَذِّبَهُ، فَلَسْنَا نُوَقِّتُ لِأَحَدٍ وَقْتًا ".

 ملاحظات وفوائد من الرّوايات :

 1- في رواية مهزم وردت عبارة " فقد طال " فإذا كان هذا في زمن الصّادق عليه السّلام وهو يعتبر خروج المهدي من آل محمد قد طال ما نقول عنه !!؟
2- كلّ الرّوايات أجمعت على أمرين : النَّهي عن التّوقيت، وتكذيب الموقِّتين.

 لماذا اخترنا هذا الحديث وهذا العنوان في هذا الوقت !؟

السبب هو أنّه وللأسف الشّديد ما أن تقع بعض الحوادث كالحروب أو الزّلازل أو الفتن أو الاضطرابات والفتن حتى يسارع البعض إلى استخدام هذه الأحداث والفتن كعلامات للظهور ويجزمون أنّ الظهور قد اقترب وأنّ الأحداث المذكورة هي من علامات ظهوره عليه السّلام.

 ولهؤلاء نقول :

(1) ما يحدث اليوم ليس جديدًا فقد حصلت ووقعت أحداث أقدم ولعلّها أشدّ ومنها أحداث القتل الذريع في بغداد وسقوط الدّولة العباسية وما حصل من هولاكو والتتر من مجازر فظيعة وكان ذلك يوم : ٩ صفر من سنة ٦٠٦هـ الموافق للعاشر من فبراير عام ١٢٥٨م وتعرف الحادثة بسقوط بغداد أو الغزو المغولي لبغداد أو الاجتياح المغولي لبغداد بقيادة (هولاكو خان) حاكم الخانية بفارس بتكليف من أخيه الخاقان الأكبر ( منكو خان ) استكمالًا لفتوحات جدهم جنكيز خان وقام هولاكو بمحاصرة بغداد اثني عشر يومًا ودمّرها وأباد معظم سكانها.

وقبل بغداد كان المغول قد اًسقطوا الدّولة الخوارزمية.

ومن جرائم المغول في بغداد عدا القتل الذريع وإزهاق النفوس هو حرق الكثير من المؤلفات القيمة والنفيسة في مختلف المجالات العلمية والفلسفية والأدبية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها بعد أنْ أضرم المغول النّار في ( بيت الحكمة ) كما ألقوا أيضًا الكتب في نهري دجلة والفرات وفتكوا بالكثير من أهل العلم والثقافة ودَمَّروا الكثير من المعالم العمرانية من مساجد وقصور وحدائق ومدارس ومستشفيات ومن نجا من الأهالي من المذبحة أصيب بالأمراض والأدواء التي انتشرت في الجو نتيجة كثرة القتلى.

هذا نموذج من حدث عظيم صار قبل ٧٩٠ سنة وأيضًا سارع البعض لاعتباره علامة ظهور ولكن لم يظهر عجّل الله تعالى فرجه الشّريف فَلِمَ لا يتعظ هؤلاء المستعجلون !! ؟

(2) هل أنتم من أهل التّمحيص والتّدقيق والتّمييز في الرّوايات حتى وصلتم لهذه النتيجة وجزمتم بأنّها علامات ظهوره ! 
للأسف فإنّ هؤلاء ليسوا من أهل الاختصاص في علم الرّواية والدّراية، وهناك الكثير من الرّوايات المرفوضة والمردودة عند أهل العلم والاختصاص وأنتم قطعًا لستم من أهل هذا الفن !!؟

(3) بهذا التّسرع نحن نخشى عليكم من الدّخول في ( كَذَبَ الوَقَّاتُونَ) وإن قلتم أنَّنَا لم نحدد وقتًا وإنما قلنا أنّ هذه علامات تدل على قرب الظهور فإنَّنَا أيضًا نخشى عليكم من عبارة الإمام الصّادق عليه السّلام حين قال : (هَلَكَ المُسْتَعْجِلُونَ ) !!

(4) للأسف الشّديد ظهرت عند هؤلاء الميول الأهوائية لبعض الجهات أو الأحزاب أو الأشخاص وصاروا يوزّعون الأدوار كما يشاؤون فيجعلون فلانًا هو اليماني وهو صاحب الرّايات الكذائية وفلانًا هو السّفياني وفلانًا هو الأصهب وفلانًا هو الأبقع وكلّ حديثهم هو تعسف وبلا دليل وبلا منطق وإنّما هي الميول الأهوائية لمن يحبون ولمن يعادون !!
ولطالما تغيرت الأحداث وتسارعت وتطوّرت ولم ينطبق شيء مما قالوه على الواقع لا في الأحداث ولا في الأشخاص !!

(5) هل تعرفون الأثر السلبي لمثل هذا النّهج على شبابنا !! عندنا شباب يحبون إمامهم ويتمنون ظهوره ويعشقونه وأحاديثكم تملؤهم حماسة وشوقًا ثمّ ماذا !! ؟
يتّضح أنّ كلامكم غير صحيح وقد يصاب بعض هؤلاء الشباب بخيبة الأمل أو برد فعل سلبي في فكرهم وعقائدهم وذنبهم يقع في رقابكم لأنّكم أنتم السّبب في ذلك.

(6) نقول لهؤلاء ( الموقّتون ) و ( المستعجلون ) هل سمعتم روايات أنَّ الله يصلح أمر الحجة في ليلة أم لا ؟ 
وهل تعلمون أنّ العلامات الحتمية قد لا تقع فضلًا عن العلامات غير الحتمية !! ؟

وإليكم هاتين الرّوايتين لعلّكم تكفون عن استعجالكم وتسرّعكم :

  •  في كمال الدين وتمام النّعمة للشيخ الصّدوق عليه الرّحمة في الجزء الأول ص 152 وأختصر السند في : معاوية بن هشام عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية عن أبيه محمد عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام قال : قال رسول الله صلّى الله علیه وآله : " المهدي منَّا أهل البيت يصلحُ اللهُ له أمرَهُ فِي ليله"  وفي رواية أخرى: " يصلحُهُ اللهُ في ليلة" وروي عن الإمام الصّادق عليه السّلام أنّه قال لبعض أصحابه : كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإن موسى ابن عمران علیه السلام خرج ليقتبس لأهله نارًا فرجع إلهم وهو رسولٌ نبيٌّ ، فأصلح الله تبارك و تعالى أمرعبده و نبيه موسى عليه السّلام في ليلة، وهكذا يفعل الله تبارك وتعالى بالقائم الثّاني عشر من الأئمه عليهم السّلام يصلحُ أمره في ليله كما أصلح أمر نبيه موسى عليه السّلام ويخرجه من الحيرةِ والغيبةِ إلى نور الفرج والظهور. 

 هذه في اختصار الزّمن في ليلةٍ أوفِي ساعةٍ كما في بعض الرّوايات.

  •  الرّواية الثّانية في احتمال عدم وقوع العلامات وهي مروية عن الإمام الجواد عليه السّلام [ والرّواية عن داوود بن القاسم الجعفي قال :" كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرّضا عليه السّلام فجرى ذكر السفياني وما جاء في الرّواية من أنّ أمره من المحتوم ، فقلت لأبي جعفر : هل يبدو لله في المحتوم ؟ فقال: نعم، قلنا فنخاف أن يبدو لله في القائم ، فقال : إن القائم من الميعاد والله لا يخلف الميعاد " ].

وقد ناقش العلماء هذا الموضوع بدقة وتمحيص وهو وقوع البداء في العلامات المحتومة وممن ذكر ذلك وناقشه المحدث النّوري أعلى الله مقامه في كتاب ( النّجم الثّاقب ) والعلامة المجلسي أعلى الله مقامه الشّريف في ( بحار الأنوار) وذكرا لذلك وجوهًا عديدةً.
وهذا كلّه غير ما ذكر في أنّ أمره يطول بغرض التّمحيص والغربلة في المؤمنين به و وردت في ذلك روايات عديدة نتركها لكيلا يطول بنا البحث .
وختامًا : ما هو الموقف الصّحيح تجاه ما نسمع وما نرى و ما نعيش وما نتابع من أحداث ومستجدات !! ؟
الموقف الصّحيح هو ما قاله الإمام الّصادق عليه السّلام في الرّواية الثّالثة من الرّوايات الأربع التي ذكرناها وهو قوله عليه السلام : ( وَنَجَا المُسَلِّمُونَ، وَإِلَيْنَا يَصِيرُونَ ).
الموقف الصّحيح هو : التسليم لما ذكره أهل البيت بلا توقيت ولا استعجال ويعمل المؤمن بكلّ تكاليفه الشّرعية من العمل بالواجبات واجتناب المحرمات ثمّ الانتظار ويكون عمله هو أفضل عمل (أَفْضَلُ أَعْمَالِ أُمَّتِي انْتِظَارُ الْفَرَجِ ) وفي هذا الباب ( انتظار الفرج ) روايات عديدة مؤكدة وكلّها تتطابق في هذا العمل وإليكم بعضها :

(1) عن رسول الله صلّى الله عليه وآله : " أَفْضَلُ أَعْمَالِ أُمَّتِي انْتِظَارُ الْفَرَجِ ".
(2) عن رسول الله صلّى الله عليه وآله : " أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ انْتِظَارُ الْفَرَجِ ".
(3) عن أمير المؤمنين عليه السّلام : " أَفْضَلُ عِبَادَةِ الْمُؤمِنِ انْتِظَارُ فَرَجِ اللهِ ".
(4) عن الإمام الصّادق عليه السّلام : " المُنْتَظِرُ للثَّانِي عَشَر كَالشَّاهِرِ سَيفِهِ بِينَ يَدَي رَسُولِ اللهِ صلّى الله علیه وآله يذب عنه ".
(5) وعنه أيضًا صلوات الله عليه : " إنّ هذا الأمرَ لا يأتيكمُ إلاّ بعدَ إياسٍ ، لا واللهِ حتَّى تَميّزُوا ".
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من المنتظرين والمسلِّمين والنّاجين وأن نكون من أنصاره وأعوانه وإذا متنا ولم نشهد ظهوره روحي فداه  نأمل أنْ نكونَ مِمَّن قال عنهم الإمام الصادق عليه السلام : " مَنْ مات منتظرا لهذا الأمر كان كمن كان مع القائم في فسطاطه، لا بلْ كان بمنزلة الضارب بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله بالسيف ".


وافضل ما نختم به هو هذا الدّعاء الوارد في الرّوايات والتي تطلب من المؤمن أن يدعو به ليرضى عنه إمامه : روى علي بن أسباط عن داوود الرقي ، قال : قلت لأبي عبدالله عليه السّلام كيف أدعو الله أنْ يرضى عني إمامي قال : ( تقول : " اللهمَّ ربَّ إمامي وربِّي، وخالقَ إمامي وخالقي، ورازقَ إمامي ورازقي، ارضَ عنِّي وأرضِ عنِّي إمَامِي " .

والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ وصلّى اللهُ على سيدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطّيّبينَ الطَّاهِرينَ

(المصادر: الدّعوات - بحار الأنوار - غيبة الطوسي - المحاسن )