ومضات قرآنية (6)

﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾
عناد وجحود أهل الجاهلية هو سمة بارزة في كثير من البشر وليس مختصا بأهل ذلك الزمان، الخوف الغير مبرر من المستقبل المتغير يعطي حالة من القصور الذاتي المجتمعي ومقاومة التغيير بدون أدنى أساس، وقد ينعكس ذلك على الأفراد بنحو متباين فتظهر على السطح مجموعة بصورة المنافحين عن ذياد المجتمع في وجه الإنحراف كما قال فرعون في حق موسى عليه السلام (إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ)، ومن جهة أخرى يدخلون في مناظرات وجدالات عقيمة بناء على النتائج المسبقة التي يتبنونها.
ما يحذر القرآن الكريم منه هي حالة خطيرة أعاذنا الله وإياكم منها وهو ما عبر عنه بالرين تارة وأخرى بالأكنة و ثالثة بالطبع على القلب، عندما يصل الإنسان إلى هذه الحالة يصبح من شبه المستحيل له أن يتقبل وجهات النظر الأخرى (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) وهي ليست مختصة بعتاة الأمم الغابرة وإنما هي متأصلة في كثير من النفوس البشرية، والتعبير القرآني (جعلنا على قلوبهم) أو (أضله الله) أو (ومن يضلل الله) وغيرها قد توهم البعض بالجبر ولكنها حقيقة اختيار الإنسان ذاته بأن لا يمكن قلبه وعقله وحواسه من تلقي الهداية إلى أن يعدم سبلها، ومن ثم يكون الاستهزاء بالمصلحين وأفكارهم سيد المشهد لتنفير من في قلبه أدنى توجه للاستماع لهم.
(إلهِي إلَيْكَ أَشْكُو قَلْبَاً قاسِياً مَعَ الْوَسْواسِ مُتَقَلِّباً، وَبِالرَّيْنِ وَالطَّبْعِ مُتَلَبِّساً)
محمد حسن يوسف
٦ رمضان ١٤٤٦