الأطفال والتلفاز
هكذا دائما تبدأ الصورة بالتشكل يلجأ الآباء والأمهات إلى وسائل الإعلام المتعددة وعلى رأسها التلفزيون كأداة للتسلية لهم وللأطفال أو لحظات هدوء تكفل لهم الإرتياح دون إزعاج الأطفال من جراء حركتهم الدائمة , وبالطبع ليس هناك ما هو أفضل من هذا الأسلوب لإيقاف هذا المد الهادر من إزعاج الأطفال .
وهنا ومن حيث بدأ الحل لمشكلة بسيطة هي الإزعاج بدأت أيضاً مشكلة أخرى أكبر من الأولى وأخطر,حيث إن هذه الآلة تتعدى بكثير كونها وسيلة تسلية أو أسلوب ترفيه .
ويمكن رصد آثار هذه الوسيلة الإعلامية –التلفزيون ـــ على صعيدين الأول الوقت المستهلك وثانياً المادة المقدمة .
1-الوقت المستهلك
في عام 1993 م أصدر تقرير (نيلسون ) في الولايات المتحدة الأمريكية الذي كشف مقدار ما يستهلك الأطفال والنشأ أمام جهاز التلفاز حيث جاءت النتائج كالتالي :
2 ـــ 5 سنـــــــــة 22.9 ساعـــة مشاهدة في الأسبوع .
6 ـــ 11 سنـــــــة 20.4 ساعــــة مشاهدة في الأسبوع .
والبعض وصل إلى 54 ساعــــة مشاهدة في الأسبوع .
ولا شك أن هذا يتضاعف في حالات الإهمال الأسري وعدم المراقبة .
وإذا عرفنا تلك الحالة الغريبة التي تنتاب الأطفال حال مشاهداتهم التلفاز من قبيل التسمر حول الجهاز دون شعور بما يحيط سوى مايعرض على الشاشة فهو لايسمع جرس الباب , ولاصوت الهاتف, ولا نداء الآخرين بعبارة أخرى هو معزول عن محيطه , كما يلحظ جلوسه حول الشاشة بكامل حاجياته فهو إن كان مستيقظا من النوم فهو بثوب النوم دون غسل الوجه واليدين وإذا كان قادماً من المدرسة فهو بثوب المدرسة مع حقيبته وأشيائه الأخرى ولربما حتى أنه لاينزع حذاءه كل هذا لهفة وراء المشاهدة , أقول إذا عرفنا هذا مع طول المدة عرفنا مدى الاستحواذ الذي يشكله التلفاز على أولادنا وفتياتنا .
وإذا عرفنا أن الطفل يحتاج إلى إكتساب مهارات حتى يؤدي وظائفه كمخلوق إجتماعي أدركنا مدى دور التلفاز في إضعاف هذه المهارات , ومن ثم كيف يتمكن من كسب مهارة لكي يكون أباً أو أماً في المستقبل .
بل إن طول المشاهدة تؤدي إلى تقليل اللعب والإنغلاق وإضـعاف الوشائج الإجتماعية لدى الطفل مما تعزز حالة الإنفراد والذاتية ومن ثم تخلق بيئة ملائمة للسلوك العدواني .
أما الصفات التي يخرج بها الأطفال من خلال تلك المداومة والمشاهدة غير المقننة فهي جملة من الصفات السيئة حيث يلاحظ على الأطفال أنهم سريعوا الإنفعال متعبون منهكون , دائماً في ضجر مستمر بسبب الخمول وصفات أخرى لاتقل سلبية عما ذكرنا تدفع أهلهم وخاصة أمهاتهم نحو الجنون .
2- أما الحديث عن المادة المقدمة فهي إما مادة مأمونة على الأطفال ولكنها غير جيدة التقديم أو جيدة التقديم لكنها مادة ملوثة بجملة من السموم ومن ثم هي غير مأمونة على أطفالنا ومن هنا تكمن الخطورة المضاعفة خاصة إذا عرفنا مقدار تعلق الأطفال بهذه الشاشة .
ونذكر جملة من الآثار في هذا الصدد
أ) اللغة تختل عند الأطفال
مما لاشك فيه أن التلفاز يضيف كماً هائلا من المعلومات التي تخدم ذاكرة الطفل وتزوده بمخزون هائل منها ولكن ذلك لا يعني أن الطفل قد أستوعب دلالات هذه المعلومة , إنه باختصار يتعرف على اللغة بشكل واسع دون أن يدرك مدلولاتها فهو يتلفظ ب ( والله العظيم – أقسم بالله العلي العظيم – قسماً عظماً – أنتم لا تفهموني – أعطوني حريتي ) وما إلى ذلك دون تصدر حقيقي لهذه الكلمات ولالاتها, ولهذا أوصت منظمة (ACT ) عام1968م في بوسطن وهي منظمة العمل من أجل تلفزيون للأطفال أوصت محطات تلفزيونية للأطفال تتناسب و قدراتهم النفسية والذهنية .
ب)هذا إذا أغفلنا تلك الكلمات التي تعد في منطقة المحظور الأخلاقي والقيمي والتي تفد على الطفل من المختلف حضارياً عنا دون رقيب أو حسيب وهذه الكلمات المحظورة أو الصور المحــظورة وإن لم تكن ذات دلالة كاملة عند الطفل حينها إلا أنها ستشكل ذاكرة مخزنة تظهر في وقتها الملائم فتدمر دينه وخلقه دون شعور منا أو منة .
3- ثقافة الإستلاب
لم يكن هناك يوماً من الأيام أخطر من الإستلاب وثقافته على الشعوب وأخطر مافي الأمر أن لا ينتبه المستلب أنه يعيش حالة إستلاب ثقافي وتخدير فكري , وهذا ما يحدث تماماً لأطفالنا أمام هذه الشاشة فهو يُغذى دائماً بثقافة نظن أنها تشحذ قوته في الوقت الذي تجعله يصطدم بالواقع فينهزم , حيث أن الثقافة التي تُروج لها لها هذه الشاشات لأطفالنا هي ثقافة الأجمل والأقوى و الأذكى والأغنى وهذا ما لا ينطبق إلا على القلة القليلة , أما بقية الناس الأقل ذكاءً وجمالاً وقوةً وهذا الذي سيكون عليه حال أكثر أطفالنا وحين يجد الطفل نفسه أمام خيال جميل وواقع صعب إما يستجيب وإما أن ينهزم وهو الأكثر وهنا يتحقق الإستلاب من باب الإيهام بالقوة التي تجعل الطفل يستعيض بالخيال عن الواقع. فإذا هو مهزوم ثقافياً في مواجهة التحديات .
إننا لانجد ترويجاً لقيم التعاون والعمل , والأخلاق , ودفع الظلم ,أو للأخلاقيات الأخروية كالصلاة , والصوم ,ومعونة الفقراء وصلة الأرحام وغيرها كثير في هذه المحطات المنتشرة إننا بحاجة ماسة إلى إعادة صوغ الأسرة المسلمة من جهة بحيث تكون قادرة على مواجهة هذا الخطر والتعاطي مع هذا الجهاز تعاطياً مدروساً ولن نستطيع أن نحصن أولادنا عن ذلك دون أن نكون قد حصلنا عليه نحن سلفاً فلا يصح أن نمارس على أولادنا سياسة إفعل ما أقول لك بل ينبغي أن يستعاض عنها بأفعل ما أفعل لا ما أقول كما يتوجب علينا أن نمارس دور التزريق المسبق الذي يُحَصَّن الطفل عن كثير من الممارسات الخاطئة تجاه هذا الجهاز كما ينبغي علينا كأسلوب من أساليب التحصين من هذا الخطر تكثيف اللقاءات الأسرية المفعمة بالأحاديث الشيقة والممتلئة بالتوجيه التربوي ولاننسى أن وضع هذا الجهاز في مكان محدد لا أماكن متعددة يحد من أسر هذا الجهاز لنا ولأطفالنا .