المسلم ولغة الإعلام
الكلمة لغة العقل والصورة لغة الحواس ، وما بين الفكر والعاطفة تتشكل في عصرنا الحاضر صناعة إعلامية رائدة ، ذات وسائل وآليات تتخطى حدود السلطات وحواجز التسلط . في قدرة على خلق رؤى وقيم ثقافية جديدة ، تتفاعل مع ما هو سائد في المجتمع محدثة رفضا أو قبولا .
فتاريخيا شكل الجهاز المرئي( التلفزيون) أحد العوامل المساعدة في ثورة الزنوج الأمريكيين ، ومن قبل وصفت الثورة الإسلامية في إيران بثورة الكاسيت ، وحديثا وفي دائرة انتفاضة القدس ، ربما لم تصلنا عن محمد الدرة كلمات يسجلها التاريخ ، ولكنها الصورة التي ألهبت المشاعر، وحركت وجدان المسلم ، لتتموج قصائدا منظومة ، ومشاهد درامية ، وروحا متحدية ، أعادت صياغة الرأي العام في الشارع الإسلامي من جديد ، وفي ذلك يشير مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى للأبحاث في كتاب أصدره تحت عنوان ، اعلام جديد .. سياسة جديدة ، من الاقمار الصناعية الى الانترنت في العالم العربي ، يخلص فيه الى ان وسائل الاعلام الجديدة في العالم العربي تلعب دورا في صياغة الرأي العام . عبر هذه الدائرة نطل مجددا على استفهام عن سبل الارتقاء بالقضية الإسلامية إلى مستوى مجتمع المعلومات والرسالة الإعلامية المبتكرة .
فالتفاعل الذي أظهر الشارع الإسلامي مع القدس قضية ومحمد الدرة رمزا ، والتلاحم مع المقاومة الاسلامية ، مؤشر على حاجة المجتمعات إلى صورة البطل المجسد للقيم الإنسانية ، ولعل بداية مسيرة التحول تأتي عبر وعي التبليغ كعنوان قرآني بما يتضمنه
من تلازم بين سعة الانتشار (العالمية ) ورصانة المضمون ( الرسالية ) وهو تحد يلامس الهوية الاسلامية في دائرة الاعلام ، وسط جدل وقلق لدى رواد المشروع الإسلامي وحركة الإصلاح ، في مدى تفاعل الجمهور مع الثقافة الجادة الملتزمة ، لا سيما مع غياب تجارب حية على الأرض ، وسيطرة ثقافة الاستهلاك على المناخ السائد ، وهو قلق بدأ بالتبدد مع ظاهرة الاقبال الجماهيري على البرامج الحوارية الجادة عبر بعض القنوات الفضائية ، التي تتناول قضايا الأمة الراهنة كالحريات والتنمية والتجديد والمقاومة ، وبرامج أخرى تعني بقضايا وشئون الأسرة المسلمة في عصر العولمة ، حتى بلغ المشاهدين بالملايين ، كما تفاعلت الأوساط مع عدد من المجلات ذات المضمون الهادف ، في بناء الأجيال الملتزمة ، وهو ما يجدر بنا إلى استعادة الثقة بالثقافة الجادة ، ومراجعة الفكرة التي تقول أن الجماهير هي التي تريد هذا النوع من الثقافة القائمة على التسطيح والإستهلاك ، ليكون الرهان هو الارتقاء بالوعي العام إلى مصاف المرحلة وتحدياتها .
ولعل أوليات هذه الثقة يجب أن تترجم إلى سعة الأفق ، فالعالم الآخر وبفضل ما شيده من بنية اعلامية تحتية ، يتجه للتبشير بآفاق قارات العالم ، كشعار الغرب مثلا في تحويل القارة السوداء الى المسيحية ، بينما يمتد الجهل بنهج أهل البيت وفكرهم إلى أقرب الساحات لدينا . ففي عالم أضحت الرسالة الاعلامية تقاس بقدرتها على الانتشار وقاعدتها الجماهيرية ، والثقافة تعالج كمنتج يتم التسويق له عبرالإعلام ، ، ليس من الحكمة اغفال الوسائل الأخرى كالصحف بحضورها اليومي ، والفضائيات بجماهيرها المليونية والانترنت بحضورها الشبابي .
هذا التحول الكمي لا يتأتي إلا بموازاة تحول نوعي في فهم آفاق التبيلغ للإرتقاء بالخطاب الديني من ظاهرة تكريس عادة التلقي لدى العامة الى مستوى التواصل وهو ما يفسر نجاح البرامج الحوارية وتفاعل الجماهير مع أطروحاتها ، كما تبدو الحاجة لعدم الاقتصارعلى لغة الخطاب المباشر ، وضرورة الاستعانة بالألوان الأخرى من الفنون في دائرة الاعلام ، فلغة الفن لا تنحصر في التعبير اللفظي الذي يعتمد على الكلمة (المنطوقة)أو (المكتوبة) أداة له ، بل تجاوز إلى أنماط تعبيرية أخرى تعد بمثابة (رمز) للكلمة أو بديل لها ،كما هو الأمر بالنسبة إلى فنون مختلفة يمكن أن توظف من أجل تحقيق المهمة العبادية التي أوكلتنا إليها السماء
فإذا كانت اللغة العلمية أو العادية التي نستخدمها في حياتنا اليومية تتميز بكونها تعبيرا مباشرا عن الحقائق ، فإن اللغة الفنية تتميز بكونها تعبيرا غير مباشر عنها والفارق بين اللغة المباشرة و الغير المباشرة أن الأولى منها تعتمد نقل الحقائق بصورتها الواقعية،بينما تعتمد لغة الفن على( التخيل ) أساسا لها أي أن العنصر المتمثل في أحداث (علاقة) جديدة بين الحقائق التي تستهدف نقلها إلى الآخرين . وقد أثبتت بعض الاحصائيات التي أجريت على بعض التلاميذ أن 34% منهم يميل الى التفتيش أولا عن الصور وبنسبة 18% عن النص .
لذا يشاد بالقدرة الفنية والتأثيرية التي تتجلى في الطرق الصورية والخطابية الجديدة التي استخدمتها المقاومة الاسلامية في جنوب لبنان على شاشة المنار مما يسّر لها التأثير الإعلامي في تأكيد على فرادة اللغة الإعلامية للمقاوم وفي ترجمة الإستشهاد الى رموز ولغة اعلامية قدسية مفعمة بالرموز الالهية والحسينية مما ضاعف قوة تأثير خطابها وانتشار رسالتها.
هذه الآفاق الطموحة في مجريات العمل الإسلامي وضمن مستويات الإعلام لا يمكن الحديث عنها دون توافر الكوادر الاعلامية المؤهلة لنتحدث عن الابداع على مستويات ، الكتابة الصحفية ، وكتابة النص المسرحي ، والقصة ، والإذاعي والمحاور ، والمخرج ، والأديب ، ولعل المفارقة تكمن أنهم في ميدان الرياضة يتجهون للإحتراف كسبيل الى العالمية ، بينما يراوح المشروع الإسلامي اعلاميا في دائرة الهواة .